الفصل الرابع: الاسواق المالية الاسلامية

مع التطور الهائل للمؤسسات المالية الاسلامية ونجاحها عالميا، تراكمت لهذه المؤسسات اموال ضخمة من الذمم والاستثمارات، وتزامن هذا تطور حركة التوريق في الاسواق العالمية، لذا عملت المؤسسات المالية الاسلامية للاستفادة من هذه التقنية لتوظيف مواردها المالية، من خلال اصدار عدة طكوك اسلامية في سوق يعرف بسوق راس المال الاسلامية.

1-مفهوم سوق راس المال الاسلامي:

1-1تعريف: تتعدد التعاريف لهذا السوق والتي نوجز اهمها فيما يلي:

    يطلق سوق راس المال بمعناه الضيق سوق او بورصة اوراق مالية، كما يطلق بمناه الواسع على مجموعة التدفقات المالية في المجتمع سواء كانت لاجل قصير او متوسطة او طويلة بين افراده ومؤسساته، ومن فنا فمصطلح سوق راي المال الاسلامي، يمكن ان يتضمن المعاملات المالية المنضبطة بالضوابط الشرعية.

    ويمكن تعريفه ايضا على انه التصور الاسلامي لأسواق راس المال يضع اصول وقواعد الافصاح الكامل فهو يحول دون استفادة اي طرف متعامل من المعلومات بشكل لا يتبسر لغيره، ويمنع الاحكار والغش والخداع ويحصر المعاملات في المبادلات الحقيقية المنتجة وتنحاز الى السلوك الرشيد ضد المضاربة، فهو يهدف لان يجعل الاسواق المالية عامل استقرار النشاط الاقتصادي، واحداث ان الانهيارات والازمات المالية.

     ويعرف على انه مكان تجري فيه مختلف المعاملات قصيرة، متوسطة وطويلة الاجل، بين مختلف الاعوان الاقتصاديين ماليين وغير ماليين، هدفه تجميع المدخرات وتمويل تنمية الاستثمارات مع قدر عال من الافصاح والشفافية، ولكن كل هذا وفقا للشرعة الاسلامية.

1-2 اهداف ومهام سوق راس المال الاسلامي:

أ-اهدافه: وتتمثل فيما يلي:

-       المساهمة في تنشيط وتنمية التمويل الاسلامي للمشروعات الاسلامية متوسطة وطويلة الاجل وذلك بتسيير وتنظيم ضمانات شرعية مناسبة لعمليات شراء وبيع الاوراق المالية الاسلامية وفق للاسعار الجرية.

-       تنمية السلوك الاستثماري الرشيد لدى المتعاملين من خلال نشر معلومات كافية عن المراكز الاقتصادية والمالية للمشروعات او الشركات الاسلامية المتداولة اوراقها في السوق.

-       حماية المتعاملين في الاوراق المالية والمؤسسات المصدرة لهذه الاوراق والنشاط الاقتصادي الإسلامي من المضاربات السعرية غير الرشيدة وغير الشرعية.

ب-مهامه:

-       تيسير تداول الاوراق المالية والصكوك، لمن يريد الاستثمار، او يريد سيولة عالية.

-       تنمية الوعي الادخاري، وتوفير الفرصة والوقت لسرعة اتخاذ قرار الاستثمار.

-       تحديد الاسعار وفق قوى العرض والطلب في سوق تنافسية، مما يؤدي الى حسن تخصيص الموارد.

-       توفير المدخرات المحلية والخارجية للاستثمار، من خلال ابتكار قنوات تسهيل التدفق عند الطلب.

-       تساعد على توزيع الموارد المالية بين مختلف الاستخدامات بطريقة رشيدة.

-       تجميع المعلومات والبيانات اللازمة عن مختلف الانشطة الاقتصادية، مما يساعد على اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة.

-       تساعد صكوك التمويل الاسلامي على القيام بمشاريعها التنموية، وكذلك بالنسبة لمؤسسات وشركات القطاع الخاص.

2-الصكوك الاسلامية، المفهوم والانواع:

2-1المفهوم: من اهم تعريف الصكوك الاسلامية مايلي:

       عرفتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية على انها: وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية اعيان او منافع او خدمات او في ملكية موجودات مشروع معين او نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من اجله.

      وعرفت على انها وثائق موحدة القيمة والصادرة باستثناء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها، وذلك على اساس المشاركة في نتائج الارباح او الإيرادات المتحققة من المشروع المستثمر فيه بحسب النسب المعلنة على الشيوع، مع مراعاة التصفية التاريخية المنتظمة لراس المال المتتب به عن طريق تخصيص الحصة المتبقية من الارباح الصافية لإطفاء قيمة السندات جزئيا حت السداد التام، وهذه الصكوك تعتمد في اساسها الفقهي على المضاربة او القراض.

    وتعرف بانها وثائق او وحدات متساوية القيمة تمثل حق في ملكية اعيان او خدمات او في مشاريع استثمارية معينة، قائمة على اساس المشاركة في نتائج الارباح، اي ادارتها على اساس المضاربة الشرعية، وتصدر وفق عقد شرعي تأخذ احكامه ، فهي صكوك مسجلة باسماء المكتتبين فيها، وبتالي يترتب عليها حميع الحقوق للمكتتبين فيها من بيع وهبة...الخ.

2-2 انواع الصكوك الاسلامية واوجه الاختلاف بينهم

اولا: انواع الصكوك الاسلامية: من اهم الصكوك الاسلامية المتداولة نذكر منها:

أ-عقد الاستصناع : هو "عقد بيع سلعة موصوفة في الذمة يلتزم البائع بصنعها بمادة من عنده مقابل ثمن يدفعه المشتري حالا او مؤجلا او على اقساط".

   ومفهوم الاستصناع لدى البنوك الإسلامية لا يقتصر على التصنيع فحسب ولكن تندرج تحته نواحي متعددة بجانب التصنيع مثل الانشاء والتجهيز والبناء والاعداد والتأسيس وكل ما يحتاجه المتعامل مع البنك من أعمال ومجالات بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

 ويدخل البنك في عملية الاستصناع عن طريق علاقتين بين البنك والعميل من جهة وعلاقة البنك بالصانع أو شركة المقاولات من جهة أخرى لذلك يدخل البنك في عقدين عقد كمستصنع وعقد كصانع وذلك وفقاً لما يلي :

- عقد الاستصناع : بين البنك والعميل ، يكون البنك هو الصانع ، العميل هو المستصنع ، محل العقد هو المصنوع .

- عقد المقاولة :بين البنك وشركة المقاولات ويسمى الاستصناع الموازي لأن البنك يستعين بصانع؛ المستصنع، - شركة المقاولات : هي الصانع، محل العقد : هو المصنوع. 

 ويمكن تحديد أهم خصائص وشروط عقد الإستصناع فيما يلي:

- الصورة العامة للإستصناع هي أن يطلب شخص أو جهة من شخص أو جهة أخرى صنع شئ على أن تكون المواد المعتمدة من الصانع وذلك نظير ثمن معين مؤجلاً أو حاضراً أو مقسطاً.

- أن يكون محل العقد معلوم الجنس والنوع والصفة والقدر و محدداً تحديداً واضحاً يمنع المنازعة.

- أن يكون مما يجرى عليه التعامل بين الناس وهو أمر خاضع للعادة والعرف و التقاليد.

ب- عقد البوت (البناء والتشغيل والنقل): هو"النموذج و التركيب، الذي من شأنه أن يوكل للاستثمار الخاص تطوير البنية التحتية التي كانت في الماضي من شأن القطاع العام". 

-العناصر الأساسية  في مشروع البوت هي : الحكومة المضيفة؛ شركة المشروع؛ مؤسسات التمويل؛ شركة التشغيل والصيانة؛ مقاولة الاعمال الهندسية والبناء؛ موردو المعدات  .

- مزايا النظام: تتمثل أهم المزايا التي يحققها العمل بنظام T.O.B في:

 - تمكين الدولة من توفير خدمات ضرورية لا تكفي مواردها لتوفيرها.

- إقامة مشروعات جديدة ذات طبيعة خاصة تسهم في تحقيق الرواج الاقتصادي نتيجة الأموال التي يتم إنفاقها في المشروع أو التي يتم ضخها في السوق المحلي.  

- رفع الطاقة التشغيلية للاقتصاد الوطني، وتقليص الفاقد والغير مستغل من الطاقات مما يؤدي الى زيادة الناتج الوطني الاجمالي.

- إمكانية استخدام الحكومة لنتائج وأداء مشاريع .T.O.B لتحسين صورتها وأدائها الداخلي والخارجي وتوفير انطباع إيجابي. أي أن هذا النظام يمثل فرصة طيبة لتشجيع تدفق الاستثمارات والتكنولوجيا الحديثة واكتساب خبرات فنية متقدمة من الخارج.مما يسهم في زيادة الكفاءة التشغيلية للاقتصاد الوطني ككل، وتوفير بيئة متكاملة ترفع من القيمة المضافة وتزيد الإعتمادية المتبادلة بين المشروعات مما يحسن من قيامها بوظائفها

-تسهم مشروعات .T.O.B في رفع الطاقة التشغيلية للاقتصاد وتقليص الفاقد وغير المستغل من الطاقات وإيجاد خدمات لا تكفي الموارد الحكومية لتوفيرها.

 - تحقيق الكفاءة الاقتصادية وذلك في حالة توافر الخبرة في هذا المجال، إذ يمكن إقامة مشروعات بتكلفة رأسمالية وتشغيلية أقل ومن ثم تقديم مخرجاتها للجمهور بسعر أقل.

- تنشيط أسواق المال، من خلال الأسهم والسندات التي يمكن ان تطرحها الشركات التي تؤسس لتنفيذ مشروعات.B.O.T.  

- تقليل الإنفاق العام والاقتراض الحكومي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض في عجز الموازنة وفي نسبة الدين العام، وبالتالي قد يؤدي إلى تخفيض معدل التضخم دون أن يكون مصحوباً بزيادة في معدل البطالة. وبالتالي نجد أن هذا النظام يسهم في تقليل الحاجة إلى زيادة الضرائب لبناء مشروعات البنية الأساسية الضرورية. أي انه يساعد الدولة على التوجه بمواردها الاقتصادية إلى المشروعات الاستراتيجية التي يعجز القطاع الخاص عن تنفيذها.

- يسمح التمويل عن طريق القطاع الخاص عموماً بنقل المخاطر المالية والتجارية وغيرها من المخاطر من الحكومة إلى القطاع الخاص وهو ما يدفعه لحسن اختيار المشروعات والتأكد من مقومات نجاحها، وبالتالي يقلل من الفاقد ويرفع من كفاءة الاستثمار ويزيد من القيمة المضافة الحقيقية. الأمر الذي يتولد عنه عدة مزايا أهمها عدم إقامة مشروعات غير اقتصادية العائد، أو لا يوجد طلب عليها، أو لا توجد حاجة عاجلة إليها، ومن ثم تتم معالجة مشكلة الفاقد والإسراف وسوء استغلال موارد الاقتصاد القومي بصفة عامة.

ت-عقد الإجارة: هي "عقد لازم على منفعة مقصودة قابلة للبذل والاباحة لمدة معلومة بعوض معلوم، والاجازة المذكورة صورة مستحدثة من صور التمويل في ضوء عقد الاجازة، وفي إطار صيغة تمويلية تسمح بالتيسير على الراغب في اقتناء أصل رأسمالى، ولا يملك مجال الثمن فورا".

 

-  آلية تنفيذ الإجارة الموصوفة في الذمة:

-       يتقدم العميل بطلب استئجار عين موصوفة في الذمة .

-       الموافقة على طلب العميل من الناحية الائتمانية والفنية .

-       توقيع عقد إجارة عين موصوفة في الذمة.

-       توقيع عقد استصناع بين البنك والمقاول وفق المواصفات المطلوبة من العميل

-       تسجيل الأصل باسم البنك خلال فترة الإجارة (ما أمكن) ، وإلا يتم الحصول على سند ضد من المالك يفيد ملكية الأصل للبنك ، مع أخذ موافقة الرقابة الشرعية  على ذلك قبل التنفيذ .

-       عند الانتهاء من صنع العين يقوم البنك بتسلمها من المقاول ، وتسليمها للعميل لبدء عملية الإجارة .

-       تبدأ الإجارة من تأريخ تسلم العميل للعين المصنعة.

-       عند نهاية مدة الإجارة يقوم البنك ببيع أو هبة العين المؤجرة للمستأجر. 

ث- المشاركة والمضاربة :وهما من أهم الصيغ الاستثمارية في الفقه الإسلامي ، فالمشاركة تعني "الاتفاق بين البنك والعميل على العمل في مشروع ما بغرض تحقيق الربح عن طريق المساهمة في راس مال المشروع وادارته"،  في حين أن المضاربة فهي عقد بين" البنك والعميل بموجبه يدفع البنك للعميل نقودا ليتجر بها مقابل جزء معلوم مشاع في ربحهما". 

ثانيا: الاختلاف بين الادوات المالية التقليدي وادوات المالية الاسلامي:

أ- ملكية راس المال: يستمر ملك أ رس المال في التمويل الإسلامي للمالك بينما تنتقل الملكية ل أ رس المال للطرف الآخر في التمويل الربوي.

ب- الربح والخسارة:

-يشترك الطرفان في الربح قل أو كثر حسب اتفاقيهما في التمويل الإسلامي بينما لا ترتبط الزيادة التي يحصل عليها الممول في التمويل الربوي بنتيجة ربحية المشروع ولا بحصة المستفيد من التمويل.

- الخسارة تقع على رب المال في التمويل الإسلامي بينما لا يتحمل الممول في التمويل الربوي أى خسارة، بمعنى

 آخر أن المستفيد في التمويل الإسلامي لا يضمن الخسارة إلا في حال التعدي أو التقصير لأن يده يد أمان بينما في التمويل الربوي تعتبر يده يد ضمان.

- الربح في التمويل الإسلامي ربح حقيقي لأنه ناتج عن زيادة في عناصر الإنتاج بينما في التمويل الربوي ربح وهمي.

ت - طبيعة نشاط الاستثمار:

 - ينحصر التمويل الإسلامي بالأعمال الاستثمارية المتوقع ربحها بينما يمكن تمويل أي نوع من الأعمال الاستثمارية في التمويل الربوي.

- يقتصر التمويل الإسلامي على الأعمال الموافقة للشرع بينما يمكن تمويل أي نوع من الأعمال في التمويل الربوي.

- يشترط في التمويل الإسلامي التركيز على المشاريع التي تمتزج فيها عناصر الإنتاج بينما لا يشترط ذلك في التمويل الربوي فمثلا قد يستخدم المستفيد المال في إقراضه بالربا.

ث - طبيعة التمويل: يتم التمويل الإسلامي عن طريق النقود أوعن طريق الأصول الثابتة بينما في التمويل الربوي يكون التمويل عن طريق النقد فقط.

 


Modifié le: samedi 28 juillet 2018, 10:19