القانون الدستوري

المبحث الثاني: السيادة

إن موضوع السيادة كان وليزال واحد من أكثر المواضيع تداولا سواء لدى فقهاء القانون الدولي أو لدى فقهاء القانون الدستوري، ومن أبرز النقاط الشائكة لدى هؤلاء تكييف السيادة هل هي ركن من أركان الدولة أما خاصية من خصائصها، على الرغم من أن أبرز الفقهاء يعتبرونها خاصية على اعتبار أن فقدانها لا يؤدي إلى زوال الدولة على عكس الأركان التي لا يمكن لها الاستمرار في حال ما إذا فقدت أحدها، وهذا إلى جانب عدم قدرتهم على تحديد مفهوم موحد ولا حول مداها أو مضمونها، و العناصر المكونة لها وخصائصها و مظاهرها.

المطلب الأول: تعريف السيادة

السيادة هي السلطة القانونية المطلقة التي تملك –دون منازع- الحق "القانوني" في مطالبة الآخرين بالالتزام والخضوع على النحو الذي يحدده القانون وعدم الخضوع لأي سلطة مهما كانت طبيعتها ومصدرها إلا في حدود إرادة الدولة.

المطلب الثاني: خصائص السيادة

تستند السيادة إلى مجموعة من الخصائص التي تميزها تكمن في:

- أنها سلطة أصلية لا تستمد لا وجودها ولا مصدرها من أحد ولا تتفرع عن أي سلطة بل هي قائمة بذاتها، مما يجعل سلطة الدولة تختلف عن كل السلطات الأخرى التي توجد على إقليم الدولة والتي تستمد وجدها منها وتكون في علاقة تبعية لها.

- أنها سلطة قانونية تعتمد في قيامها على القانون وتستمد مشروعيتها منه وتراعي أحكامه أثناء ممارسة مظاهرها، وعلى أساس ذلك فإن الأشخاص الذين يمارسونها تكون لهم سلطة إصدار القوانين وتطبيقها ولو بالإكراه على المحكومين، لكنها في المقابل ليست سلطة تعسفية أو استبدادية بل تخول فقط ممارسة الصلاحيات المسندة لسلطات الدولة في إطار القيود التي يضعها القانون.

- أنها سلطة واحدة غير قابلة للتجزئة فعلى الرغم من تعدد الهيئات في الدولة فإن ذلك لا يعني مطلقا أن السلطة مفتتة، وإنما هي مجرد أدوات لممارسة هذه السلطة فهي تتقاسم اختصاصات هذه الأخيرة فقط و لا تتقاسم السلطة ذاتها، كما أنه لا توجد في الداخل منظمة منافسة لها أو أقوى منها، على أساس أن قوة الدولة تمتاز بأنها قوة مادية واقعية يمكن لها اللجوء الى استخدام القوة و الإكراه المادي عند الضرورة قصد تحقيق أهدافها.

المطلب الثالث: صاحب السيادة في الدولة

إن أصل مصطلح السيادة ينبع من السيد وهو الملك أو الحاكم بصفة عامة، وأول ما ظهر كان بهدف الدفاع عن الملوك إزاء سلطة البابا والإقطاعيين الذي لابد أن تكون له سلطة مطلقة يمارسها على حدود إقليمه وعلى رعيته لا يشارك فيها أحد، ولقد فسرت هذه السلطة قديما على أساس طبيعة الحاكم الإلهية أو لكونه خليفة الله في الأرض بالنسبة للنظريات الدينية، وتفسر استنادا للقوة الجسدية أو الفكرية أو المالية بالنسبة لنظريات القوة والغلبة، غير أنه وبالنظر إلى النظريات الحديثة فإنها تنزع الصفة السيادية للحاكم وتلحقها بالأمة أو بالشعب ووفقا لذلك ظهرت نظريتين:

أ/ نظرية سيادة الأمة:

يعتبر الكثير من الدارسين أن نظرية سيادة الأمة هي وليدة أفكار الفقيه الفرنسي جون جاك روسو التي صاغها في كتابه بعنوان "العقد الاجتماعي"، واعتنقتها الثورة الفرنسية بعد نجاحها في عام 1789 وكرستها كمبدأ دستوري من خلال وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادرة في نفس السنة وذلك في المادة الثالثة التي تنص على أن "الأمة هي مصدر كل سيادة".

ومفاد هذه النظرية أن السيادة في الدولة تعود للأمة باعتبارها كائنا مجردا و مستقلا عن الأشخاص المكونين لها، وهي وحدة واحدة لا يمكن أن تتجزأ، ولا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها كما أنها تكون مطلقة دائمة، عامة، و شاملة[3]، أما نتائجها فهي تتمثل فيما يلي:

1- الانتخاب وظيفة وليس حقا فيمارسه مجموعة من الأشخاص دون غيرهم.

2- الاخذ بالاقتراع المقيد .

3- النائب ممثل للامة ولا يمثل الأشخاص الذين انتخبوه.

4- استقلالية النائب عن الأشخاص الذين انتخبوه (رفض مفهوم الوكالة الإلزامية).

5- الاخذ بنظام المجلسين.

6- أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة.

نقد:

إن منح السيادة للأمة يعني تمتعها بالشخصية القانونية وهذا يجعلنا نكون أمام شخصين قانونين هما الأمة والدولة ونحن نعلم أن هناك شخصية واحدة تعود للدولة، ثم إن الجزم بتمتع الأمة بالسيادة يؤدي إلى تأكيد السلطة المطلقة لممثليها، وهذا سيؤدي الى ضياع الحقوق و الحريات الأساسية للأفراد، فبالنظر الى المبادئ التي تتبناه هذه النظرية فإن ممثلي الأمة حينما يسنون قانونا فإنهم يعبرون عن ارادة الأمة، و لكون أن هذه الإرادة مشروعة فلا بد على الأفراد الخضوع لها و لو تعلق الأمر بمساس و اهدار حقوقهم و حرياتهم.

ب/ نظرية سيادة الشعب:

إن التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ، والانتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة الأمة كانت أسبابا كافية لظهور أصوات تنادي بضرورة تجسيد التمثيل النسبي الحقيقي للشعب، فجاءت إذن نظرية سيادة الشعب على أنقاض نظرية سيادة الأمة والتي ترى أن السيادة ملك للجماعة التي تتكون من عدد من الأفراد، وأن كل فرد من هؤلاء الأفراد يمتلك جزء من السيادة يعبر عنها عن طريق انتخاب ممثلين لهم يمارسون السلطة باسمهم ولحسابهم، وأن مجموعة هذه السيادات التي يمتلكها جميع الأفراد هي التي تتحد فتشكل سيادة الدولة، وعلى غرار نظرية سادة الأمة فالأخذ بهذه النظرية أيضا تترتب عنه جملة من النتائج هي:

1- تجزئه السيادة بين كل أفراد الشعب ولكن بمفهومه السياسي.

2- الانتخاب حق يتمتع به كل فرد من أفراد الشعب لاختيار ممثليه وليس وظيفة.

3- الأخذ بالاقتراع العام ولا تلاد عليه سوى بعض الشروط البسيطة.

4- الأخذ بمفهوم الوكالة الإلزامية مما يجعل الناخب يمثل الدائرة الانتخابية التي انتخبته.

5- الأخذ بنظام التمثيل النسبي.

6- القانون تعبير عن إرادة الأغلبية وليس عن إرادة الأمة.

نقد:

إذا كانت نظرية سيادة الأمة تشجع على استبداد الحكام فإن نظرية سيادة الشعب تشجع على استبداد الشعب الذي قد يكون أشد وطئا وأكثر خطورة، ثم يمكن أن نلاحظ أنها تكرس الجهوية على أساس أن النائب المنتخب يمثل الأشخاص الذين انتخبوه مما يجعله يسعى فقط لخدمتهم لضمان اعادة انتخابه، والنقطة الأخيرة التي يمكن أن نثيرها تتعلق بالاقتراع العام الذي يمنح الحق في الانتخاب حتى للفئات التي ليس لها الوعي السياسي الكافي مما يجعل الارادة الشعبية تصادرها الأغلبية الجاهلة التي تنخدع بالوعود الكاذبة وتجنح وراء مصالح الضيقة، بينما تبقى المصلحة العليا للدولة –وهي الأهم- بعيدة عن حساباتهم.

المطلب الرابع: أشكال و مظاهر السيادة

تنقسم السيادة إلى قانونية و سياسية كما أنها تتجسد عمليا من خلال مظهرين أساسيين أحدهما داخلي و الأخر خارجي.

أ/ أشكال السيادة:

يقصد بالسيادة القانونية سلطة الدولة في اصدار التشريعات بواسطة ممثليها ومن خلال الأجهزة المخولة بذلك ثم العمل على تنفيذها و معاقبة كل من يخالفها، أما السيادة السياسية فيراد بها الشعب بمفهومه السياسي الذي يرجع له الفضل في اختيار المسؤولين السياسيين الذين يكون لهم حق ممارسة السيادة القانونية، فهي بذلك سلطة الشعب في اختيار من يتولى مسؤولية إدارة الشؤون العامة في الدولة.

ب/ مظاهر السيادة:

تتجلى السيادة على مستويين تتحد من خلالهما مظاهر السيادة، المستوى الأول هو ما يعرف بالسيادة الخارجية التي تبرز فيها السيادة بمظهر سلبي، ذلك أن الدولة من الناحية الخارجية لا تخضع إلى أي سلطة مهما كان مصدرها سواء كانت الدول أو المنظمات الدولية، فهي لا تتقيد بأي قيد إلا وفق إرادتها الحرة، أما على المستوى الداخلي فهي تظهر بالوجه السلبي الذي أشرنا إليه وبالوجه الإيجابي الذي يشير إلى خضوع جميع رعاياها وكل ما يقع على حدود إقليمها لسلطتها المطلقة.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)