القانون الدستوري

المبحث الأول: نظريات نشأة الدولة

اختلف الفقهاء في تحديد أصل نشأة الدولة نظرا لصعوبة حصر كل الظروف والعوامل التي ساهمت في تكوينها، لذلك برزت عدة نظريات تفسر أصل نشأة الدولة

المطلب الأول: أولا-النظريات غير القانونية (بيروقراطية)

ترجع هذه النظرية أصل نشأة الدولة إلى أساس غير عقدي حيث تأخذ هذه النظرية ثلاث صور تتعلق إما بأساس ديني أو أساس التطور أو أساس القوة والغلبة:

1- النظرية التيوقراطية (التفويض الإلهي)

سادت هذه النظرية العصور القديمة فأعطت للدولة أساسا لاهوتيا أخلط بين السلطة والعقيدة يتأسس على فكرة جوهرية مفادها أن الله هو مصدر السلطة وليس الإنسان أو المجتمع، ووفقها يمكن للحاكم الاستبداد وفرض إرادته، والتنصل من مسؤولياته أمام الشعب وهو ما يتنافى وطبيعة الأنظمة الحديثة القائمة على أساس ديمقراطي يتحمل فيه الحاكم باعتباره ممثلا للشعب تبعة أعماله،

2- نظرية القوة والغلبة

يرى أنصار هذه النظرية أن أصل نشأة الدولة يعود إلى القوة والصراع بين الجماعات الأولى التي كانت تعيش صراعا مستمرا بينها، مما نتج عنه انتصار جماعة منهم على غيرها من الجماعات (غالب ومغلوب)، حيث أن ما ميّز حياتهم هو الغزو والصراع من أجل التسلط على الجماعات الضعيفة، وأن موازين الصراع هي القوة المادية والانتصار الحربي في ميدان المعركة بالإضافة إلى حكمة المنتصر وحنكته وذكائه السياسي.

3- نظرية التطور

تعتبر هذه النظرية أن أصل نشأة الدّولة يعود إلى عامل التطور الأسري الذي يرى أن الدولة ما هي إلا السلطة الأبوية وماهي إلا أسرة تطورت ونمت بشكل تدريجي، ومن أنصار هذه النظرية الفيلسوف أفلاطون، رغم أن البعض يرى أن أصولها ترجع إلى أرسطو حينما قال أن الإنسان مدني بطبعه وأن الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وبكثرتها تتكون العشائر فالمدن فالدولة أو العامل التاريخي الذي يرى أن الدولة هي نتاج للتطور التاريخي فهي ظاهرة اجتماعية لا يمكن رد نشأتها إلى عامل واحد وإنما يجب الاعتماد على عوامل عدة كالقوة والدهاء والدين والحكم والمال والشعور بالمصالح المشتركة التي تربط أفراد الجماعة بعضهم البعض وعليه فإن التطور التاريخي والدوافع الخاصة لتحقيق حاجات الأفراد هي التي أوجدت الدولة بأشكالها المختلفة.

المطلب الثاني: النظرية القانونية (الديمقراطية أو العقدية)

جاءت هذه النظرية كرد فعل على الاستبداد الذي مارسته الأنظمة القائمة في أوربا بمباركة الكنيسة، التي كانت تستند في تبرير استبدادها على نظرية التفويض الإلهي للحاكم وقد انتشرت هذه النظريات خلال القرنين 17 و18م حيث عملت على دحض نظريات الأساس الديني للحكم، وذلك من خلال التأكيد على أن أصل الحكم والسلطة، لا يعود للإرادة الإلاهية، كما يزعم بعض الحكام ومن يساندونهم، وينطلق منظروا هذه النظريات من فرضية مفادهاأن أساس الحكم هو ثمرة عقد اجتماعي بين أفراد كانوا يعيشون حياة فطرية لا تحكمها أية ضوابط وأن الدولة لم تنشأ كشخصية قانونية بما لها من قوة وسيادة إلا بعد إبرام هؤلاء الأفراد لعقد اتفقوا بموجبه على استبدال القانون الطبيعي الذي كان ينظم حالتهم الطبيعية بقانون من وضعم يقوم على اختيار حاكم من بينهم يتولى تدبير أمورهم ، الأمر الذي نتج عنه ظهور حقوق مدنية وسياسية، ومن أشهر فلاسفة العقد الاجتماعي الذين صاغوا تصورا لفكرة الدولة بصورة منظمة الانجليزيين توماس هوبز وجون لوك والفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو .

1- نظرية العقد الاجتماعي لتوماس هوبز (1588-1679)

صاغ الفقيه توماس هوبز نظريته هذه في كتابه الشهير "اللفياثان-الأصول الطيعية والسياسية لسلطة الدولة""Léviatan" في فترة مضطربة من التاريخ الإنكليزي حيث كانت المملكة تعيش حرب أهلية بين الملكيين بقيادة الملك تشارلز الأول من جهة و البرلمانيين من جهة أخرى في الفترة ما بين (1642-1651). هذه الحرب جاءت كسيرورة لحالة فوضى عاشتها أنكلترا لأكثر من100 عام نتيجة النزاعات البروتستانتية-الكاثوليكية, حيث صعد في تلك الفترة مزيج من الملوك و الملكات البروتستانت و الكاثوليك مما كان يعني تقلبات سياسية كبرى و اضطهاد ضد الكنيسة و أتباعها المعاكسة للملك أو الملكة.

2- نظرية العقد الاجتماعي جون لوك (1632-1704)

عاش "جون لوك" في فترة عرفت تطاحناً كبيراً بين الكاثوليك والبروتستانت، هذا التطاحن الديني خيَّمَ على فلسفةِ "جون لوك". ولقد تصدَّى جون لوك لسطوة التصور الديني السَّائد، وواجهَ رؤية تؤصِّلُ للتصور السياسيّ بأصولٍ دينية، في كتابه "رسالة في التسامح" حاول "جون لوك" جاهداً الفصل بين سطوة الدين والسياسة، ويعدُّ من أهم المجدِّدين للتفكير الديني؛ أي أنَّه حاولَ تصحيح تلك الاعتقادات الشائعة. كما تصدى جون لوك كذلك لبعض الأفكار التي طرحها رجال الدين، هذه الأفكار تشرِّعُ التدخل في الضمائر، والتدخل كذلك في الحياة الاجتماعية. كلَّ هذا اعتبره "جون لوك" حيفاً اتجاه الحرية الشخصية، خصوصاً وأنَّ جون لوك كان تنويريا بامتياز، والحرية جزءٌ لا يتجزأ من الأنوار.

3- نظرية العقد الاجتماعي لجون جاك روسو (1712-1778)

يعتبر روسو من أبرز فلاسفة العقد الاجتماعي الذين صاغوا أفكارهم حول الاجتماع البشري وكيفية انتقال الانسان من الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية، واضعا بذلك كتابه "العقد الاجتماعي" الذي ألهم به عددا من المفكرين والفلاسفة، وكان سببا في اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، لأن الإنسان حسبه انتقل من مرحلة البدائية إلى مرحلة المدنية، فأبرم عقدا وكانت السيادة للشعب الذي يختار حاكما عليه يكون خاضعا هو الآخر للقوانين والأنظمة.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)