القانون الدستوري

المبحث الثاني: أركان الدولة

يقصد بأركان الدولة العناصر التي تحدد الوجود المادي لها بغض النظر عن مسألة كيفية تكوينها. وفي هذا الإطار فإن الدولة، هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي القائم على أساس وجود مجموعة بشرية مستقرة فوق إقليم معين وخاضعة لسلطة ساهرة على احترام النظام والأمن فيه، ورغم تباين الاتجاهات الدستورية بشأن تعريف الدولة ، فإن الإجماع يوشك أن ينعقد على إنه يلزم لكي توجد الدولة أن يكون هناك مجموعة من الأفراد تعيش مستقرة في إقليم محدد وتخضع لسلطة سياسية معينة، وبذلك يقتضي لقيام الدولة توافر أركان ثلاث الشعب ، والإقليم ، والسلطة السياسية.

المطلب الأول: الشعب "الجماعة البشرية"

يقصد بالشعب مجموعة الأفراد المكونين للعنصر البشري في الدولة يرتبطون بها وجودا وعدما، ويتمتعون فيها بجنسية واحدة تربطهم برابطة سياسية قانونية تفرض عليهم طابع الولاء للدولة والخضوع لقانونها ولسيادتها مقابل حماية أرواحهم وأموالهم وحقوقهم التي يقرها القانون من اعتداءات الغير، وقد يحصل أن تتداخل بعض المفاهيم القريبة من مفهوم الشعب لذا وجب تمييزه عنها:

1- الشعب والسكان:

يتسع مصطلح السكان في مضمونه عن المقصود بمفهوم الشعب، إذا يشتمل مصطلح السكان المواطنين والأجانب اللذين يعيشون على أراضي الدولة، في حين ينصرف اصطلاح الشعب إلى رعايا الدولة أي إلى مواطنيها اللذين يتمتعون بجنسيتها.

2- الشعب الاجتماعي والشعب السياسي:

الشعب الاجتماعي: هم سكان الدولة اللذين يعيشون على إقليمها وينتمون إليها ويتمتعون بجنسيتها، رجالا ونساء، كهولا وأطفالاً سواء المتمتعين بحقوقهم السياسية والمحرومين منها، أما الشعب السياسي: فهم السكان اللذين يتمتعون بممارسة الحقوق السياسية، وعلى الأخص حق الانتخاب، وبذلك يتطابق مفهوم الشعب السياسي مع جمهور الناخبين ويخرج باقي أفراد الشعب اللذين لا يتمتعون بحق الانتخاب من مضمون الشعب السياسي، ويختلف نطاق الشعب السياسي ضيقاً واتساعا تبعا لمدى التمتع بالحقوق السياسية إذا تبلغ دائرة الشعب السياسي أقصى اتساع لها عند الأخذ بمبدأ الاقتراع العام اللذي لا يقيد حق الانتخاب إلا بشروط تنظيمية تتعلق بالجنسية والعمر-وهذا ما تاخذ به سيادة الشعب- بينما تضيق هذه الدائرة كثيرا عند تطبيق الاقتراع المقيد-وهذا ما تأخذ به سيادة الأمة- اللذي يشترط بالإضافة إلى الشروط التنظيمية السابقة ضرورة توفر قسط محدد من المال أومستوى معين من التعليم أو الإنتماء إلى طبقة معينة حتى يحق للفرد أن يتمتع بحق الانتخاب.

2- الشعب والأمة:

الشعب ظاهرة اجتماعية، بينما الأمة واقعة اجتماعية يرتبط أفرادها بروابط واضحة كاللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين، أو روابط متخيلة كالمصالح المشتركة والغايات الواحدة أو النسب المشترك، يقطنون بقعة من الأرض وإن لم يخضعوا لنظام سياسي معين.

المطلب الثاني: الاقليم

يمثل النطاق الأرضي، والحيز المائي، والمجال الجوي، الذي تباشر عليه الدولة سيادتها ، وتفرض فوقه نظامها وتطبق عليه قوانينه، وهو بذلك يقسم إلى:

أ- الإقليم البري

لا يشمل سطح الأرض وما فوقه من معالم طبيعية فقط وإنما يمتد إلى باطن الأرض، فلا يشترط في إقليم الدولة أن يكون قطعة ترابية واحدة مترابطة فقد يتشكل من جزر عديدة، بل قد يتكون من أجزاء ترابية متباعدة، كما لا يشترط أيضا أن يبلغ إقليم الدولة مساحة معينة فقد يكون واسعا أو ضيقا، وعليه فإن ترابط إقليم الدولة أو تجزئته، ضيقه واتساعه ليس له أثر أي أثر من الناحية القانونية على قيام الدولة.

ب- الإقليم البحري

يشمل الاقليم المائي كل من البحار الداخلية، البحيرات الكبرى، الأنهار، والبحر الإقليمي بالنسبة للدول الساحلية، حيث لهذه الدول الحق في منطقة من البحر تسمى البحر الإقليمي مسافتها 62 ميل بحري أي ما يعادل حوالي ) 21 كلم( ابتداء من الشريط الساحلي المجاور للإقليم البري ، وقد أقرت اتفاقية قانون البحار 6912 المنعقدة بدولة جمايكا كامل السيادة للدولة على المنطقة الاقليمية مع الاعتراف بمرور السفن البريء دون التوقف، إلى جانب ذلك هناك مساحات أخرى تمارس الدولة الساحلية حقوق وظيفية تشمل مسافة تقدر 611 ميلا تسمى بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، إلى جانب تمتعها بالسيادة على الجرف القاري، أما منطقة أعالي البحار تعتبر تراثا مشتركا للإنسانية.

ج- الإقليم الجوي

يشمل الاقليم الجوي الطبقة الجوية التي تعلو على إقليمها البري والبحري ، وقد أقرت اتفاقية

شيكاغو التي أبرمت سنة 1944 حق السيادة الإقليمية للدولة على طبقاتها الجوية مع السماح للدول الأخرى بالمرور البريء الذي لا يشكل خطرا على أمنها وسلامتها .

المطلب الثالث: السلطة السياسية

لا يكفي لنشأة الدولة وقيامها وجود شعب يسكن إقليما معينا وإنما يجب أن توجد هيئة حاكمة تكون مهمتها الإشراف على الإقليم ومن يقيمون عليه (الشعب)، وتمارس الحكومة سلطتها وسيادتها باسم الدولة بحيث تصبح قادرة على إلزام الأفراد باحترم قوانينها وتحافظ على وجودها وتمارس وظائفها لتحقيق أهدافها .

1- أشكال السلطة السياسية

تتراوح السلطة السياسية بين ثلاثة أشكال، اجتماعية مباشرة، أو مجسدة في شخص أو فئة، أو سلطة مؤسسة:

أ- السلطة الاجتماعية المباشرة

هي التي لا يمارسها أحد بمفرده،ولكن الجميع يطيعون ويتصرفون في إطار العادات والتقاليد ، وهي تتصف بأنها غير مطبوعة بطابع الإرهاب والعقاب ، وإذا كان الشخص،خوفاً من الإبعاد الذي هو أشد العقوبات مضطراً إلى التصرف بما يرضي الجماعة - لأن الطاعة في ظل تلك السلطة يطغى عليها الطابع الغريزي ، وهذا النوع من السلطة ساد في العصر القديم ونجده في عصرنا الحاضر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث توجد جماعات قليلة لا تزال تعيش وفق نظام بدائي يعتمد على معتقدات وعادات وتقاليد موجودة مسبقاً - فلا يجد الفرد إلا مراعاتها والامتناع عن أية مبادرة مخالفة لها وإلا تعرض لعقوبات طبيعية أو إلهية.

ب- السلطة المجسدة في شخص أو فئة

هي تلك السلطة التي تكون مرتبطة بشخص الحاكم يمارسها كامتياز،وهو ما يميزه بها عن غيره من الأشخاص،فتكون مرتبطة بشخصه لما يتمتع به من نفوذ وليست وظيفة مستقلة عنه يمارسها وفق أحكام قانونية مهنية معينة.

ج- السلطة المؤسسة

هي السلطة المعتمدة على رضا الشعب لأن الحاكم لا يمارسها كامتياز أو كصاحب سيادة أو مالك لها، وإنما كوظيفة أسندت له من قبل صاحب السيادة( الشعب ) لمدة زمنية محددة.وبظهور السلطة المؤسسة ، تظهر أيضاً القواعد القانونية فيستقر النظام أكثر من غيره لاعتماده على القانون واحترامه بما يتماشى والتطور ومصلحة الجماعة، فالسلطة عليها أن توفق بين سيادة القانون واستقرار النظام من جهة ، والتطور التاريخي من جهة أخرى، رغم ما في ذلك من صعوبة باستمرار،باعتبارها ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالجماعة وليس لها مفهوم سياسي فقط.

2- مميزات السلطة السياسية:

أ‌- ضرورة وظاهرة اجتماعية ‎، لارتباطها بالجماعة وبالنفس البشرية . فالجماعة لا تستقيم بدون سلطة سياسية تعمل على تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد من جهة ، ومصالح الجماعة من جهة أخرى . فعلـة وأساس قيامها وبقائها ، يكمن في تحقيق ذلك التوازن وإلا فقدت مشروعيتها وسندها الاجتماعي.

ب‌- ظاهرة قانونية لارتباطها بالقانون،ذلك أنها في عملها الهادف إلى كفالة التوازن بين المصالح الفردية ، ومصالح الجماعة وحمايتها ، عليها أن تضع نظاماً يحقق ذلك،هذا النظام الذي لا يمكن أن يكون سليماً ومقبولاً إلا بقيامه على قواعد سلوكية ملزمة تسمى بالقانون ، ولهذا فإن القانون ضرورة تلجأ إليها السلطة لتنظيم أمور الأفراد وتقييد اندفاعهم،وتغليب مصالحهم على مصلحة الجماعة،فهي التي تقيد بواسطة تلك الوسيلة غرائز ومطامع الأفراد ، غير أن هذا لا يعني بأن وجود السلطة السياسية ، يتنافى مع وجود حريات وحقوق للأفراد،فهي بالإضافة إلى ذلك تبين حقوق وحريات الأفراد وتضمن ممارستها وحمايتها بما يتماشى وتحقيق الصالح العام . إلا أن هذا لم يحدث إلا بعد صراع مرير بين السلطة والحرية ، وبتعبير أدق العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

ت‌- ظاهرة نفسية: تقوم على رضاء المحكومين بها وقبولهم لها.

ث‌- سلطة عامة وعليا تسمو على جميع السلط الأخرى ويخضع لها جميع الأفراد.

ج‌- سلطة أصلية ومستقلة لا تتبع أي سلطة أخرى فهي تضع النظام القانوني الطي يخضع له الأشخاص وتنظم نفسها بنفسها، وتمثل داخليا أعلى السلطات وخارجيا هي ذات سيادة وتتمتع بالاستقلال السياسي ولا تكون تابعة لأية دولة أجنبية أخرى.

ح‌- سلطة تحتكر وسائل الإكراه المادي من خلال امتلاكها القوة العسكرية والأمنية التي تتولى حماية إقليمها من أي اعتداء خارجي أو تمرد داخلي.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)