فروض نظرية الحتمية التكنولوجية
عموما يمكن القول أن نظرية الحتمية التكنولوجية لمارشال ما كلوهان ارتكزت على 3 فرضيات رئيسية ظهرت في مؤلفه الرئيسي :كيف نفهم وسائل الإعلام ؟ وقد لاقت هذه الفرضيات التي أخذت شكل مقولات شهرة واسعة بين أوساط باحثي الإعلام وتبرز هذه الفروض أو الفرضيات في :
الوسيلة هي الرسالة:
يقول مارشال ما كلوهان أن الفكرة المؤكدة بوضوح هي أن الوسيلة هي التي تشكل وتتحكم في مقياس نشاط الناس وعلاقتهم ببعض،وأن مضامين أو استخدامات الوسائل تكون متنوعة ولا تؤثر في طبيعة العلاقات الإنسانية وهو ما يبرز مقولة (الوسيلة هي الرسالة ) [1] وتتضمن الفكرة أن مضمون أي وسيلة هو دائما وسيلة أخرى، فاذا نظرنا إلى الكتابة مثلا نجد أن مضمونها هو الكلام والكلمة المكتوبة هي مضمون المطبوع والمطبوع هو مضمون التلغراف ,ومضمون الكاتم هو عملية التفكير التي تعتبر غير لفظية , لكن الطريقة التي تستخدم بها هذه الوسيلة أو الوسائل هي التي ستحد أو تزيد من فائدتها، يقترح “ماكلوهان” بدلا من ذلك أنه علينا أن نفكر في طبيعة وشكل وسائل الإعلام الجديدة، فمضمون التلفزيون الضعيف ليس له علاقة بالتغييرات الحقيقية التي يسببها التلفزيون كذلك قد يتضمن الكتاب مادة تافهة أو كلاسيكية ولكن ليس لها دخل بعملية قراءته، فالرسالة الأساسية في التلفزيون هي التلفزيون نفسه (العملية نفسها) كما أن الرسالة الأساسية في الكتاب هي المطبوع فالرأي الذي يقول أن وسائل الإعلام أدوات يستطيع الإنسان أن يستخدمها في الخير أو الشر.
فالتكنولوجيا الحديثة، مثل التلفزيون أصبحت ظرفا جديدا محيطا مضمونه ظرفا أقدم وهذا الظرف الجديد يعدل جذريا الأسلوب الذي يستخدم به الناس حواسهم الخمس، والطريقة التي يستجيبون بها إلى الأشياء ولا يهم إذا عرض التلفزيون عشرين ساعة يوميا أفلام تنطوي على عنف وقسوة، أو برامج ثقافية راقية، فالمضمون غير مهم، ولكن التأثير العميق لتلفزيون هو الطريقة التي يعدل بمقتضاها الناس الأساليب التي يستخدمون بها حواسهم وهذا ما يعبر عنها بقوله لمختصر الشهير الوسيلة هي الرسالة ويعتبر هذا من أهم الإضافات التي قدمها مارشال ماكلوهان إلى ما قاله “هارولد إينيس” في كتابه “تحيز الاتصال” فقد حلل ماكلوهان الطريقة التي يفترض أن المطبوع يؤثر بمقتضاها وقال أن المطبوع يفرض منطقا معينا على تنظيم التجربة البصرية.
ويتم إدراك الواقع بشكل سطري على الصفحة بعد تجريدها من طبيعة الحياة الكلية، وبسبب هذا عدم التوازن في العلاقة بالظروف المحيطة به، والكتابة والقراءة يفقدان الفرد القبلية ويأخذانه خارج الثقافة الشفهية الوثيقة إلى ظرف خاص بعيد عن الواقع الذي يتناوله اتصاله ويعني “ماكلوهان” أيضا بفكرة الوسيلة هي الرسالة، إن مضمون أي وسيلة هو دائما وسيلة أخرى، فإذا نظرنا إلى الكتابة نجد أن مضمونها هو الكلام والكلمة المكتوبة هي مضمون المطبوع ومضمون الكلام هو عملية التفكير التي تعتبر غير لفظية، فمضمون الظرف الجديد هو الظروف الأقدم ونحن نحاول دائما أن نفرض الشكل القديم على المضمون الجديد، وبدأ الإنسان يعتبر المطبعة مصدرا لقيم جميلة وروحية، وبدأ الناس بالإعجاب بالعصور السابقة بينما لم يكن الأفراد الذين عاشوا في العصور التي سبقت عصر الإنتاج الآلي .
إن هذا هو السبب في الفجوة الكبيرة الموجودة بين الأجيال، فالحروب والثورات والتمرد المدني هي من ظواهر الظروف الجديدة المحيطة التي خلقتها وسائل الإعلام الكهربائية فقد أصبح زمننا هو زمن عبور الحواجز لإزالة الفئات القديمة, لذلك نشهد حاليا أوقات صعبة نتيجة للتصادم بين تكنولوجيتين عظيمتين، فنحن نقترب من الجديد بالاستعداد السيكولوجي القديم وهذا الصدام يحدث في المرحلة الانتقالية
لذلك أصبح لزاما علينا أن نسهل انتقالنا من العالم البصري المجزأ، أي عالم المطبوع حتى نصل إلى أسلوب للتعليم نستخدم فيه كل وسيلة حديثة متوفرة يعيش جمهور اليوم بعمق في عالم خيالي أو سحري بينما يواجه عندما يتعلم ظروفا منظمة على أساس المعلومات المصنفة أي الموضوعات غير المتصلة التي يتم إدراكها بصريا على أساس خطي لا توجد أمام الطالب وسيلة للاشتراك ولا يستطيع أن يكتشف كيف تتصل المشاريع التعليمية بعالمه الخيالي الذي يتحرك فيه والوسيلة هي الرسالة تعني بالإضافة إلى ذلك أشياء أخرى، فقول “ماكلوهان” يشير أيضا إلى أن لكل وسيلة جمهورا من الناس يفوق حبهم لهذه الوسيلة اهتمامهم بمضمونها، بمعنى آخر، التلفزيون كوسيلة هو محور الاهتمام كبير فكما يحب الناس أن يقرؤوا من أجل الاستمتاع بممارسة تجربة المطبوع، وكما يجد الكثيرون متعة في التحدث إلى أي شخص في الهاتف كذلك يحب البعض التلفزيون بسبب الشاشة التي تتحرك عليها الصورة والصوت علاوة على ذلك، الرسالة في الوسيلة هي تأثير الأشكال التي تظهر بها على المجتمع، الرسالة المطبوعة كانت كل جوانب الثقافة الغربية التي أثر عليها المطبوع والرسالة في وسيلة السينما هي مرحلة الانتقال من الروابط السطرية إلى الأشكال، كذلك يقترح ماكلوهان أن بناء الوسيلة ذاتها مسؤول عن نواحي القصور فيها ومسؤول عن مقدرتها على إيصال المضمون، فهناك وسيلة أفضل من وسيلة أخرى في إثارة تجربة معينة، فكرة القدم مثلا هي في التلفزيون أفضل من سماعها في الراديو أو في عمود الجريدة ويبدو أن لكل وسيلة ميكانيزم خاص بها يجعل بعض الموضوعات أفضل من موضوعات أخرى من إطارها جميع أنحاء العالم ببعضها مباشرة، كذلك تقوى تلك الوسائل الجديدة العودة للقبلية في الحياة الإنسانية.
وسائل الإعلام الساخنة والباردة :
هنا يقول مارشال ماكلوهان أن هنالك قاعدة أساسية تميز وسائل الاتصال الحارة كالراديو والسينما عن وسائل الإعلام الباردة كالتلفزيون والأنترنيت .
فالوسيلة الحارة هي التي تمد حاسة واحدة وتعطيها وضوح منخفض بينما الكارتون أو الرسوم المتحركة في التلفزيون يعطي درجة عالية من الوضوحية ,فالوسائل الحارة تتطلب مشاركة ضئيلة من المتلقي أما الوسيلة الباردة فتتطلب من المتلقي قدرا عاليا من المشاركة [2] [2]، وابتكر ماكلوهان في تعريفه لذلك الميكانيزم اصطلاحات فئات الساخن و البارد ليصف في نفس الوقت بناء وسيلة الاتصال أو التجربة التي يتم نقلها ومدى تفاعلها.
وتتلخص فكرة ماكلوهان في تقسيمه لهذه الوسائل إلى ساخنة وباردة بهدف التمييز بين قدرة كل وسيلة بهدف التمييز بين قدرة كل وسيلة في التأثير الاجتماعي أما الوسيلة الباردة فهي الوسيلة التي تحتاج إلى أن تحافظ على التوازن بين الحواس، وتحتاج لقدر كبير من الخيال,أما الوسائل الساخنة فهي على درجة عالية من الفردية، كما أن بها قدرا كبيرا من المعلومات المطلوبة ولا تحتاج إلى مساهمة كبيرة من جانب المتلقي.
يسمي “ماكلوهان” التلفزيون وسيلة باردة والصحافة وسيلة ساخنة بسبب المدى الذي تشترك به حواسنا في كل منها وتأثير كل وسيلة على بناء المجتمع يتوقف إلى حد كبير على درجة حرارتها، فإن الوسيلة الساخنة تسمح بمساهمة أقل من الوسيلة الباردة.
على هذا الأساس نستطيع أن نفسر جميع الظواهر التي كانت في الماضي لا تخضع للفحص والدراسة مثل نجاح الشخص غير العاطفي أو غير المثير أو غير الجذاب في التلفزيون أي الشخصيات العادية ويفسر أيضا نجاح كندي في الانتخابات على ينكسون سنة 1960 م لأن كندي استعمل التلفزيون في حملته الانتخابية عكس ينكسون.
معنى ذلك أن الوسائل الساخنة هي منظومة الوسائل الجاهزة المحددة نهائيا التي لا تحتاج من المتلقي بذل جهد أو مشاركة واقعية أو معايشة ,فهي تقدم المضمون الإعلامي في قوالب جاهزة,أما الوسائل الباردة فهي تتطلب من المتلقي جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة والاندماج ,ويعتبر التفاعل فيها جزء هام في إكمال الفكرة والديناميكية والفعالية .
وسائل الإعلام هي امتداد لحواس الإنسان :
يرى ماكلوهان أن أي اختراع أو تطبيق تكنولوجي هو امتداد لأجسامنا وأن مثل هذا الامتداد يتطلب علاقات جديدة وألوانا جديدة من التوازن بين الأعضاء الأخرى والامتدادات الأخرى للجسم ,فمن غير الممكن مثلا رفض الخضوع للعلاقات الجديدة أو البنيات الحسية الجديدة التي تثيرها الصورة المتلفزة سيختلف من ثقافة لأخرى تبعا للعلاقات الحسية القائمة .
وبما أن وسائل الإعلام تحيط بنا فهي تتطلب منا مساهمة ,ويرى ماكلوهان أن استخدام الحواس بهذا الوجود الذي يعتمد على استغلال الفرد لحواس كثيرة ويرجع بنا إلى تأكيد الرجل البدائي على اللمس التي يعتبرها حاسة اللمس الأولى ,تبعا لذلك يؤكد مارشال ماكلوهان أن وسائل الإعلام الإلكترونية تحدث تغييرا في توزيع الإدراك الحسي أو كما يسميها ماكلوهان بنسبة استخدام الحواس. [3] [3]
فحسب ماكلوهان فان التقدم التكنولوجي يؤدي بالتدريج إلى خلق بيئة إنسانية جديدة تماما مثل التلفزيون.
