نشأة علم الإجتماع:

أدرك "سان سيمون saint simon" (1760-1825) ومن بعده "أجوست كونت A.comt (1798- 1857) ضرورة إيجاد علم جديد يدرس الظواهر الاجتماعية بطريقة علمية دقيقة، أسماه الأول "الفيسيولوجيا الاجتماعية"، وأسماه الثاني في بداية تشكيله "الفيزياء الاجتماعية"، وهي تسمية استخدمها توماس هوبس T.Hobbes" (1588_1679) من قبله بكثير7[1]، وهي التسمية نفسها التي استخدمها البلجيكي "أدولف كتلي Adolphe Quételet" (1796-1874) في دراسته الاحصائية للمجال الاجتماعي، ووضعها عنوانا لكتابه: "الفيزياء الاجتماعية physique sociale"8[2].
وفي هذا السياق كتب "أجوست كونت" سنة 1820 يقول:" نحن الأن نملك فيزياء فلكية، وفيزياء أرضية، وفيزياء آلية أو كميائية، كما أن لدينا فزياء نباتية وفيزياء حيوانية، لكننا ما زلنا في حاجة إلى فزياء أخرى وأخيرة تتعلق بالمجال الاجتماعي ليكتمل نظام معرفتنا بالطبيعة، وأقصد الفيزياء الاجتماعية، إنها العلم الذي يدرس الظاهرة الاجتماعية بطريقة موضوعية، الروح التي ينظر بها لظواهر الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء أو الفيسيولوجيا، أي أن تخضع الظواهر الاجتماعية لقوانين ثابتة9[3].
كما أطلق كارل ماركس على هذا العلم اسم "علم المجتمع Science of society" وكان ذلك بعد تسمية أوجوست كونت الذي اقترح تسمية جديدة لمشروعه العلمي الجديد كي يكون مختلفا شكلا ومضمونا عن مقترح "كيتلي"، بذلك ظهرت هذه الكلمة "علم الاجتماع sociologie"10[4]، بعدما كانت في السابق الفيزياء الاجتماعية.
ثم تبع ذلك "جيدنجر Giddinge" الذي وافق على تسمية "كونت" مع تعديله ليكون الاسم "علم الاجتماع الاستقرائي Inductive Sociology" وسار العالم الفرنسي "رينيه مونيه R. Maunier" على نفس الطريقة فوافق على تسمية "كونت" مع اقتراحه تعديل الاسم ليكون علم الاجتماع المقارن 11[5].Conpartive Sociology
وسبقهم جميعا المفكر العربي عبد الرحمن ابن خلدون بأربعة قرون في كتابه "العبر" الذي عرف بعد ذلك باسم "مقدمة ابن خلدون"، وفي هذا الكتاب أطلق على هذا العلم اسم "العمران البشري" أو الاجتماع الانساني، فساهم في تطوير علم الاجتماع في العالم العربي، وأدرك أنه لابد من منهج يبين الصادق من الكاذب من الأخبار التاريخية، ومن ثم كانت مقدمته التي يناقش فيها طبائع العمران البشري، وقوانين المجتمع الانساني، فلقد عالج ابن خلدون في هذه المقدمة معظم القضايا والمشكلات التي تعالج حتى الأن في إطار علم الاجتماع، لكن عمل ابن خلدون لم يكتب له الاتصال والاستمرار، ذلك لأنه قد واكب سقوط الحضارة العربية والاسلامية وصعود الحضارة الغربية، يضاف إلى ذلك الحواجز اللغوية والثقافية التي أخرت تعرف المفكرين الغربيين على أعمال ابن خلدون وانجازاته، ولذلك فـإن نشأة علم لاجتماع في الغرب كانت مستقلة عن نشأته في الشرق12[6].
وكانت النشأة الغربية لعلم الاجتماع على يد "أوجست كونت" مرتبطة أشد الارتباط بظروف التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري التي كان يمر بها المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت بحيث نستطيع أن نقول أن علم الاجتماع الغربي بكافة اتجاهاته وفروعه النظرية قد تطور استجابة للتطورات والمشكلات الاجتماعية في مرحلة الانتقال من النظام القدم إلى النظام الجديد13[7].
وبالتالي فكلمة "السوسيولوجيا أو علم الاجتماع sociologie " ظهرت على يد الفرنسي "أوجوست كونت" سنة 1830 في الدرس السابع والأربعين (47) من كتابه "دروس في الفلسفة الوضعية cour de philosophie positive " فلفظة sociologie مكونة من شقين:
Socio: اشتقت من الكلمة اللاتينية Sosius، التي تعني: المرافق (Compangnon).
Logie: اشتقت من الكلمة الإغريقية Logos التي تعني: الخطاب أو العقل.
وباجتماع الكلمتين نحصل على العلم الذي يهتم بالعلاقة الموجودة بين فردين فأكثر14[8].
وبذلك يكون مفهوم علم الاجتماع هو علم المجتمعات البشرية، أو علم دراسة مجتمع الإنسان أو دراسة المجتمع والفرد والجماعة، أو دراسة الظواهر أو الوقائع أو الحقائق أو العمليات الاجتماعية، في ضوء رؤية علمية وضعية وتجريبية، وبعد ذلك استقل علم الاجتماع عن الفلسفة مع إميل دوركايم Émile Durkheim، بعد صدور كتابة (قواعد المنهج في علم الاجتماع ) سنة 1895م15[9].
وهكذا يتضح أنه هناك خلاف كبير حول تسمية علم الاجتماع، رغم ما أشرنا إليه من أن تسمية "أوجست كونت" قد استقرت حتى يومنا هذا، وانتشرت في سائر الأوساط العلمية، ويرجع هذا الخلاف من ناحية إلى أن كل تسمية أطلقت على علم الاجتماع اعتمدت على تصور كل عالم من العلماء لموضوع العلم16[10].
فنجد أن "سان سيمون" مثلا تصور أن موضوع هذا العلم هو دراسة وظائف الظواهر الاجتماعية على نفس النحو الذي تدرس به العلوم الطبيعية وظائف الظواهر الطبيعية، من هنا كان تفضيله لتسمية "الفيسيولوجيا الاجتماعية"، كما أن كارل ماركس قد تصور أن موضوع هذا العلم هو دراسة البناء الاجتماعي للمجتمع في صورة كلية، ولذلك رفض تسميته بعلم الاجتماع وأطلق عليه علم المجتمع، ومن ناحية أخرى فقد كان لدى البعض الآخر تصور معين لمنهج علم الاجتماع، فقد اعتقد جيدجينز أن المنهج الذي يجب اتباعه في هذا العلم هو المنهج الاستقرائي الذي يتدرج فيه البحث من دراسة الملاحظات الجزئية للظواهر إلى التوصل إلى تعميمات تنطبق على عدد كبير من الظواهر الفردية، بمعنى انتقال الباحث من الخاص إلى العام، أو من الجزئي إلى الكلي أو من البسيط إلى المركب، ومن هنا فإنه يفضل إطلاق اسم علم الاجتماع الاستقرائي، أما العالم رينيه مونيه فقد كان يعتقد أن المنهج المفيد في الدراسات العلمية الاجتماعية هو المنهج المقارن الذي يتبع الوحدة، وكذلك فإن المقارنة في رأيه مرحلة ضرورية سابقة على التفسير، ومعنى ذلك كله أن الاختلاف في التسمية كان يرجع بالدرجة الأولى إما في تصور معين لمنهج هذا علم، وكان كل من العلماء يريد أن يكون هذا التصور متضمنا في التسمية ذاتها17[11].