تطور مفهوم التدقيق

أجمع الباحثون أن التدقيق قديم قدم الإنسان، فقد نشأ نتيجة حاجة الإنسان للتحقق من صحة البيانات الحسابية التي يعتمد عليها في اتخاذ القرار، وبالتالي نشأت هذه المهنة بظهور المحاسبة وتطورت بتطورها.

ويمكن تقسيم مراحل تطور التدقيق إلى أربع مراحل:

الفترة من العصر القديم إلى سنة 1500 م

كان التدقيق في هذه الفترة يقتصر على سلطات الدولة وكهنة المعابد وملاك الأراضي، حيث يهتمون خاصة بجرد المخزون السلعي، بهدف الوصول إلى الدقة ومنع أي تلاعب أو غش.

كما تميزت بالقيام بالتدقيق عن طريق استماع المدقق للحسابات التي كانت تتلى عليه، وتقييمها لمعرفة مدى صحتها مستخدما تجربته في ذلك.

أظهرت الحفريات القديمة في الحضارة الآشورية أقدم عمليات التسجيل المالي لما يدفعه الملوك لجنودهم في شكل حيوانات ومزروعات، حيث ساهم الكهنة السومريون أيضا في تطوير المحاسبة والتدقيق.

كما أظهرت الحفريات البابلية آثارا لما يشبه السجلات المحاسبية كانت في شكل ألواح من الطوب، إضافة إلى شرائع الحمورابي التي ظهرت على برج بابل، فقد استخدمت ضمن موادها بنود تتعلق بالمعاملات التجارية والمالية خاصة فيما يتعلق بإظهار الأرباح والخسائر.

كما تشير بعض الكتب تحت عنوان جذور التدقيق، إلى أن أصل التدقيق يعود إلى السلطات المصرية القديمة التي عينت فاحصا مستقلا عن المحاسبة الضريبية، وانتهج ذلك الإغريق ثم الرومان ثم الإقطاع من النبلاء الإنجليز الذين عينوا مدققين لمراجعة الحسابات والتقرير عنها بواسطة الحزم,

وتحسنت عملية التدقيق مع تحسن عملية التسجيل واكتشاف القيد المزدوج من طرف العالم الإيطالي (Luca Pacioli[1]) ونشره في كتابه "نظرة عامة في الحساب والهندسة والنسب سنة 1490م في مدينة البندقية.

الفترة من 1500م إلى 1850م

أهم ما ميز هذه الفترة هو التمهيد للثورة الصناعية وظهور الشركات الضخمة التي تتميز بانفصال الملكية عن الإدارة وزيادة حجم الاستثمار والمضاربة في الأسهم مما أدى إلى خلق طلب على مزيد من الإفصاح.

ونظرا لأهمية التدقيق كعلم ومهنة، فقد زادت العناية بتدريس علم التدقيق بالإضافة لعلم المحاسبة والفروع العلمية المرتبطة بينهما في الجامعات والمعاهد العليا،فظهرت أول منظمة مهنية في ميدان المراجعة في فينيسيا بإيطاليا سنة 1581م، وتأسست كلية ROXONATI لتكوين خبراء المحاسبة، وأصبح على من يزاول المهنة أن يكون عضوا في هذه الكلية 5[2].

كذلك مع تطبيق نظرية القيد المزدوج في النظام المحاسبي حتى ولو لم تكن متطورة كما هو مستعمل حاليا، حيث ظهر نوع من الرقابة الداخلية للمشاريع 6[3].

الفترة من 1850 إلى 1900

تميزت هذه الفترة بالنمو الاقتصاد الكبير نتيجة لانطلاق الثورة الصناعية في المملكة المتحدة وظهور حاجة مالكي المؤسسات والمشاريع لمن يحافظ على أموالهم خاصة بعد ظهور قانون الشركات البريطاني سنة 1862م، والذي أقر ضرورة استعمال مراجعي الحسابات لمراجعة شركات المساهمة، وبالتالي فإن هذا القانون قد أعطى دفع كبير لمهنة التدقيق.

الفترة من 1900 إلى يومنا

أهم ما ميز بدايات هذه الفترة هو انتشار واستعمال التدقيق في جميع أنحاء العالم، والاتجاه نحو استعمال المراجعة الاختيارية أي أسلوب العينات الإحصائية في التدقيق، وأصبح الهدف الأساسي للتدقيق هو إبداء رأي فني محايد حول القوائم المالية ومدى سلامتها في تمثيل المركز المالي للمؤسسة والنتائج المسجلة.

وفي بداية النصف الثاني من القرن العشرين، تطورت مهنة التدقيق الخارجي في ظل فكرة انفصال الملكية عن الإدارة، وتتضح أبرز ملامح هذا التطور في مفهوم التدقيق الصادر عن جمعية المحاسبة الأمريكية AAA السابق الذكر.

وبهذا فخلال النصف الأول من القرن الحالي، تحول هدف التدقيق إلى تقرير ما إذا كانت البيانات (القوائم) المالية تعبر بصورة صحيحة وعادلة عن نتائج العمليات في الفترة التي أعدت عنها أو عن المركز المالي في نهاية الفترة بعدما كان هذا الهدف وقائي بحت وينحصر على اكتشاف الأخطاء والغش والتلاعب والاختلاس 7[4].