دروس محاضرات في مادة العالم المعاصر
الحرب العالمية الأولى(1914-1918)
(الظروف،الأسباب، المراحل و الجبهات)
مقدمة:
أخذت العلاقات بين القوى الأوروبية البارزة منذ أوائل القرن العشرين تتجه نحو التصعيد ،بسبب تباين المصالح و الأهداف،جراء التنافس الإستعماري،و الروح القومية المتأججة لدى الشعوب المغلوب على أمرها،ما تسبب حتميا في بروز أزمات دولية خطيرة،ساهمت بدورها في تشكل تكتلات و أحلاف عسكرية عمقت من انتشار الحقد و الكراهية بين دول أوروبا،و تخوفها من بعضها البعض،الأمر الذي دفعها إلى الإتخاذ الاحتياطات اللازمة للمواجهة العسكرية،فمهد ذلك لاندلاع الحرب بينها ما لبثت أن تطورت و أصبحت عالمية بدخول دول غير أوروبية فيها.فما هي أسبابها و خلفياتها الحقيقية؟و مظاهر عالميتها؟و الإنعكاسات التي تركتها؟
1-واقع العلاقات الدولية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى:
أ-اشتداد التيار الإستعماري:
ازدادت حدة الصراع و التنافس بين الدول الأوروبية في نهاية القرن 19م و بداية القرن 20م بحثا عن المواد الخام الأولية، و الأسواق التجارية، و تحيق أمجادها القومية، والتخلص من مشاكلها الاجتماعية و السياسية، وقد ساعدها على ذلك تقدمها العلمي و الفكري و الصناعي و قوتها العسكرية البحرية و البرية .
و كانت مقررات مؤتمر برلين الثاني(1883/1884) قد دشنت موجة التكالب الاستعماري الأوروبي على القارة الإفريقية ، فاندفعت بريطانيا بعد المؤتمر تشق طريقها نحو التوسع ، حيث قامت خلال شهر جوان سنة 1885 بإنشاء محمية لها في ساحل النيجر، و في المنطقة الواقعة بين لاجوس و الكامرون،و فرضت حمايتها على كينيا سنة1884 و أوغندا عام 1885، و شنت حربا ضد سكان البوير بجنوب إفريقيا خلال العقد الأخير من القرن 19م لفرض سيطرتها على هذا البلد و استغلال ثرواته المنجمية،كما أخضعت خلال هذه الفترة لنفوذها كل من زنجبار ، كينيا،أوغندة،روديسيا الشمالية،و بتشوانا لاند. ونجحت سنة 1898 في احتلال السودان.هذا،و سبق لبريطانيا و أن احتلت مصر سنة 1882،و تطلعت لاحتلال العراق و فلسطين لحماية مصالحها بالخليج العربي
فرنسا هي الأخرى تمكنت من إنشاء مستعمرات لها في هذه القارة،فبعدما تمكنت من احتلال الجزائر 1830 ثم تونس 1881،وتمكنت في سنة 1886 من فرض حمايتها على مدغشقر ، و استمرت في التوسع على حساب مناطق شاسعة ممتدة بين حوض نهري الفولتا العليا و النيجر، و في حوض نهر السنغال بغرب إفريقيا.و طمحت أيضا في بسط نفوذها على أملاك الدولة العثمانية في المشرق العربي(سوريا و لبنان) خلال الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي جعلها تدخل في منافسة شديدة مع الانجليز
و في سنة1893 امتد نفوذ فرنسا إلى تمبكتو ،و أثمرت جهودها التوسعية خلال هذه السنة عن تأسيس مستعمرات لها في ساحل العاج،و فرضت احتلالها بالقوة على الداهومي سنة1900، و أخضعت أيضا المغرب الأقصى لحمايتهاعام 1912
و بدورها ألمانيا تشجعت على التوسع،حيث تمكنت خلال فترة(1884-1900) من بسط نفوذها و سيطرتها على مناطق هامة من إفريقيا قدرت مساحتها بحوالي مليون ميل مربع،شملت: توجولاند في غرب إفريقيا،و الكاميرون،و شرق إفريقيا(تنجانيقا)، و ناميبيا بجنوب غرب إفريقيا.
و تطلعت ايطاليا هي الأخرى بعدما حققت وحدتها القومية سنة 1871للتوسع في القارة الإفريقية خلال العقدين الآخرين من القرن ق 19م، حيث أبانت عن أطماعها الإستعمارية في تونس مما جعلها تدخل في منافسة حادة مع فرنسا،و في هذا السياق اهتمت بالحبشة و باقي بلدان القرن الإفريقي الأخرى(الصومال،اريتيريا)، و نجحت في 1911 من احتلال ليبيا .
و لم تبق بلجيكا في منأى عن التوسع الإستعماري،بحيث تمكنت بموجب قرارات مؤتمر برلين الثاني من فرض سيطرتها على الكونغو، (دولة الكونغو الحرة)، التي أصبحت مستعمرة بلجيكية بدية من سنة 1908.
و دخلت بقية الدول الأوروبية الأخرى مجال التوسع و التنافس الإستعماريين على غرار إسبانيا و البرتغال ،حيث تمكنتا من إنشاء مستعمرات لها في إفريقيا مع نهاية القرن 19م و بداية القرن 20م.
كما كشفت روسيا عن أطماعها التوسعية على حساب أملاك الدولة العثمانيةفي البلقان(جنوب شرق أوروبا)، لاسيما في المضايق التركية (البوسفور و الدردنيل)،و اسطنبول.و نجد نفس الأطماع لدى النمسا ،التي رغبة هي الأخرى في إيجاد نفوذ لها في هذه المنطقة ،بعدما فقدت سيطرتها العسكرية على الولايات الإيطالية والألمانية إثر تحقيق وحدتهما القوميتين،لذلك لم تتوان في ضم البوسنة و الهرسك إليها سنة 1908، مما جعل الصربيون ينقمون و يسخطون عليها لطموحاتهم القومية في ضم جميع العناصر السلافية بالبلقان تجسيدا لمشروعهم((دولة صربيا الكبرى) ،الأمر الذي زاد من حدة التوتر في العلاقات بين الطرفين خاصة ،و بين القوى الأوروبية العظمى عامة بسبب التحالفات التي كانت قائمة بينها.
ب-التحالفات الدولية:
1-التحالف الثلاثي:
بعدما حققت ألمانيا وحدتها القومية سنة 1871،أصبحت تخشى من عودة الخطر الفرنسي إلى أراضيها ،خاصة و أنه سبق لها و أن هزمت فرنسا و أذلتها في حرب 1870 و استولت على منطقتي الألزاس و اللورين(اللتان تعتبرانهما فرنسا جزءا من ترابها) ،و لمواجهة هذه الظروف،حاول مسشارها بسمارك التقرب من النمسا و روسيا و عقد معهما إتفاقا وديا(حلف عصبة الأباطرة الثلاث) سنة 1872،لكن سرعانما انسحبت منه روسيا بسبب وقوف ألمانيا مع النمسا و الدولة العثمانية في تنافسهما وصراعهما مع هذه الأخيرة(روسيا) حول منطقة البلقان.
و في سنة 1882 انضمت إيطاليا إلى تحالف ألمانيا و النمسا الذي أصبح يعرف بالتحالف الثلاثي ،ومع إندلاع الحرب العالمية الأولى تعزز هذا التحالف بانضمام إليه كل من الدولة العثمانية و بلغاريا (أصبح يعرف بحلف دول الوسط) ،و بالمقابل انسحبت منه إيطاليا و التحقت بدول الوفاق الثلاثي(الحلفاء) في سنة 1915
2-الوفاق الثلاثي:
في ظل تزايد توتر علاقة روسيا بألمانيا بسبب وقوف هذه الأخيرة مع النمسا ضد روسيا جراء التنافس الذي اشتد بينهما حول منطقة البلقان،دفع بروسيا إلى عقد تحالف سياسي مع فرنسا سنة 1891، و تحالف عسكري آخر سنة1893 لمواجهة دول الحلف الثلاثي في حالة استهدافهما عسكريا.
و في 8 أفريل 1904 تم عقد الاتفاق الودي بين فرنسا و بريطانيا، تضمن اعتراف هذه الباخيرة بمصالح فرنسا وإسبانيا(الريف) في المغرب الأقصى ،مقابل إعتراف فرنسا بالنفوذ البريطاني في مصر
و في سنة 1907 تمكنت فرنسا من إيجاد تقارب بين روسيا و بريطانيا،بحيث دفعت بالدولتين إلى إبرام اتفاق ودي بينهما في 30 أوت من نفس السنة و هذا بعد نجاحهما في الوصول إلى تسوية خلافاتهما حول إيران( تقاسم النفوذ بينهما) ،ليتقوى بذلك تحالف دول الوفاق الثلاثي(فرنسا، بريطانيا، روسيا) عشية إندلاع الحرب وأثناءها،خاصة بعدما التحقت به كل من إيطاليا 1915، و الولايات المتحدة الأمريكية 1917 .
ج-الأزمات الدولية:
1-أزمة ضم البوسنة و الهرسك1908:
كانت هاتان الولايتان تابعتين اسميا للسيادة العثمانية،ثم اخضعتا إداريا بموجب مقررات مؤتمر برلين 1878 للإمبراطورية الثنائية النمساوية المجرية،و كثيرا ما كشفت النمسا عن أطماعها في ضم هاتين الولايتين للحيلولة دون تحقيق استقلالهما عنها ، حفاظا على أمن و سلامة إمبراطوريتها التي ضمت العديد من القوميات.و من جهة أخرى كانت مملكة صربيا الحديثة تتطلع إلى ضم الشعوب السلافية-المنتشرة في شتى أنحاء الإمبراطورية النمساوية المجرية- ضمن دولة واحدة(دولة صربيا الكبرى) ، و لتجسيد هذا المشروع. عملت على إثارة دعاية''الجامعة السلافية'' لتأجيج الوعي الثوري القومي لدى هذه الشعوب.
و لما قامت جمعية الاتحاد و الترقي التركية بالثورة على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سنة1908 و نجح الاتحاديون في السيطرة على الحكم ،استغلت النمسا هذه الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الدولة العثمانية و أقدمت على ضم البوسنة و الهرسك،فوجهت بذلك ضربة قاضية ليس للأتراك العثمانيين فحسب بل لطموحات مملكة صربيا في ضم هاتين الولايتين،فتوترت بذلك العلاقة بين الطرفين،و أثرت أيضا على باقى القوى الأوروبية،خاصة روسيا(المتعاطفة مع صربيا، لأنهما كلاهما ينتميان للعنصر السلافي) التي لم تستطع توقيف النمسا عن حدها، بعدما امتنعت دول الوفاق الثلاثي عن مناصرتها و دعمها،خاصة و أن بريطانيا لم تكن راضية على تحقيق روسيا أطماعها في السيطرة المضايق البحرية(البوسفور و الدردنيل) و من ثمة الوصول إلى المياه الدافئة، خشية من تهديد مصالحها في حوض البحر الأبيض المتوسط.ساهمت هذه الأزمة في تهيئة الأرضية للتعجيل بإندلاع الحرب العالمية الأولى.
2-أزمة أغادير1911:
تندرج هذه الأزمة ضمن التنافس الاستعماري الفرنسي الألماني على المغرب الأقصى(مراكش) منذ 1905،وازدادت شدته بشكل خطير إثر إقدام فرنسا في سنة 1911 على إرسال قواتها العسكرية إلى المنطقة و احتلالها لمدينة فاس،مما أثار غضب ألمانيا التي كانت تحوز على مصالح اقتصادية حيوية بهذا البلد،لذلك لم تتوان هذه الأخيرة في التهديد باستعمال القوة العسكرية ضد فرنسا ،معبرة عن رفضها الإحتلال الفرنسي للمغرب،وقامت بإرسال سفينة حربية ألمانية إلى الميناء الحيوي المغربي في نفس السنة و هددت باحتلاله، وأصبح العالم بذلك على وشك اندلاع حرب حقيقية بين الدولتين ،خاصة بعدما صرحت بريطانيا بأنها سوف لن تقف على الحياد في حالة نشوب الحرب بين فرنسا و ألمانيا.
تم الأزمة بعدما تعهدت فرنسا بموجب اتفاقية 4 نوفمبر 1911 بمنح القسم الداخلي من الكونغو المستعمرة الفرنسية(الواقعة بين الكامرون و الكونغو البلجيكي) ،و جزء هام أخر من مستعمرتها بغينيا الإسبانية،مقابل إطلاق يد الحرية لفرنسا في المغرب الذي أخضعته لحمايتها في سنة 1912.
و من جهة أخرى انتهزت إيطاليا هذه الظروف و تشجعت على احتلال طرابلس الغرب و برقة الليبيتين في نفس السنة،و دخلت في حرب مع الدولة العثمانية صاحبة السيادة على ليبيا ،انتهت في سنة 1912 باعتراف هذه الأخيرة بالاحتلال الإيطالي لليبيا بموجب معاهدة أوشي الموقعة بينهما في أكتوبر من نفس السنة، تحت ضغط قيام دول البلقان بتشكيل حلف عصبة البلقان(اليونان،صربيا، بلغاريا،) و إعلان الحرب على الوجود العثماني بالمنطقة،الأمر الذي شجع إيطاليا مرة أخرى على احتلالها جزر الدوديكانيز ببحر إيجه بالبحر المتوسط التي كانت ضمن دائرة النفوذ العثماني.
3-حروب البلقان(1912،1913):
أمام استمرار تراجع الدولة العثمانية و تدهور أوضاعها الداخلية،تشجعت دول البلقان(اليونان،صربيا و بلغاريا) على تصفية الوجود العثماني بمقدونيا و اقتسامها فيما بينها،سيما و أنها كانت تضم عناصر يونانية و بلغارية و صربية،و كثيرا ما لعبت صحافة هذه الدول دورها في تأجيج الوعي القومي الثوري لدى هذه العناصر، مستغلة الاحتجاجات التي كانت تعرفها المنطقة منذ 1910 ضد نظام الاتحاد و الترقي التركي،إضافة إلى الدعاية الروسية التي أدت دورها المضاد للنفوذ العثماني في البلقان .
بعد تمكن دول البلقان من عقد تحالف فيما بينها(عصبة دول البلقان) سنة1912 تبعا للمعاهدة الصربية البلغارية الموقعة بتاريخ 13 مارس 1912، و المعاهدة اليونانية البلغارية المبرمة في 29مايو 1912 أعلنت الحرب على الدولة العثمانية في 17 أكتوبر 1912، مستغلة انشغال هذه الأخيرة بحربها ضد إيطاليا بطرابلس الغرب،التي أنهكتها ماديا و بشريا، فكان ذلك عاملا مساعدا للدول البلقانية من تحرير مقدونيا خلال ثلاثة أسابيع،و دفع بالأتراك العثمانيين إلى طلب الهدنة في 3 ديسمبر 1912 ،بعدما هددت الإستانة من قبل الجيش البلغاري،وتوجت في الأخير بالتوقيع على شروط الصلح بلندن في 30 ماي 1912، تخلت بموجبه الدولة العثمانية عن نفوذها لأعدائها في مقدونيا.
احتجت بلغاريا بشدة على ما آلت إليه الأوضاع إثر انتهاء الحرب،حيث لم يكن تقسيم مقدونيا في صالحها مقارنة مع ما أخذته كل من صربيا و اليونان من مناطق هامة تضم قوميات يونانية و صربية و بلغارية،لذلك هاجمت بلغاريا مقدونيا مجددا لبسط سيطرتها عليها ،و هو ما دفع بصربيا و حليفتها اليونان إلى إعلان الحرب عليها، و من ثمة بدأت الحرب البلقانية الثانية في 25 جوان 1913 ، و استغلت رومانيا الفرصة و دخلت الحرب ضد بلغاريا، الأمر الذي دفع ببلغاريا إلى طلب الصلح ،و عقد معاهدة بوخاريست 10 أوت 1913 التي كرست تقسيم مقدونيا بين صربيا و اليونان، بينما لم تحصل بلغاريا إلا على نسبة محدودة من الأراضي، بل أجبرت على التنازل عن منطقة سيليستريا لرومانيا و أجبرت على إعادة ترك أدرنة لتركيا
ساهمت الحرب البلقانية في تصفية الوجود العثماني في المنطقة،و تأجيج الوعي القومي للشعوب السلافية البلقانية، و توسع دولة صربيا و تشجعها على لم شمل العناصر السلافية، لا سيما المتواجدة في الإمبراطورية النمساوية المجرية في دولة واحدة(دولة الصرب الكبرى). كما أثرت هذه الحرب في زيادة التقارب بين دول الوفاق الثلاثي هذا من جهة،و توتر العلاقات بين شعوب البلقان و النمسا من جهة أخرى، وساهمت أيضا في اشتداد السباق نحو التسلح بين الدول الأوروبية المتصارعة و الذي من مظاهره الاهتمام بزيادة عدد القوات المسلحة و إقرار مبدأ الخدمة العسكرية الإجبارية، و الإهتمام بصناعة السفن الحربية،إضافة إلى إلى الدور الخطير الذي أدته الصحافة في تغذية الكراهية بين الدول الأوروبية المتنافسة،الأمر الذي هيأ الأرضية لاندلاع الحرب العالمية الأولى.
د-حادثة سراييفو28/6/1914 و تداعياتها على العلاقات الأوروبية الأوروبية:
قام في هذا التاريخ الطالب الصربي( جافريلو برنسيب) المنتمي للجمعية السرية الصربية( اليد السوداء)،(التي كانت تؤمن بأن البوسنة جزءا من صربيا) باغتيال وريث عرش النمسا-المجر الأرشيدوق فرانز فرديناند و زوجته في مدينة سيراييفو(بالبوسنة) أثناء قيامهما بزيارة إلى المنطقة للإشراف على مناورات الجيش النمساوي..
لم تتردد النمسا في تحميل صربيا مسؤولية الحادثة و وجهت لها إنذارا في 23 جويلية 1914، طالبتها بقبول إجراء تحقيق من طرف النمسا داخل أراضيها- صربيا- بهدف الكشف على العناصر التي كانت وراء الحادثة ، و مما تضمنه أيضا:(( حل الجمعيات الوطنية،ومنع أية دعاية مكتوبة أو مذاعة سواء في الصحافة أو المدارس و إبعاد الموظفين الذين أعلنوا كراهيتهم للملكة الثنائية(النمسا و المجر) إلى غير هذا من الأمور التي تكاد النمسا تفقد الصرب استقلالها)) .
وافقت صربيا على بعض المطالب و رفضت بعض الأخر،مما دفع بالنمسا و المجر إلى إعلان الحرب عليها و مهاجمتها في 28 جويلية،الأمر الذي جعل روسيا تقدم في 31 جويلية على إعلان التعبئة العامة دفاعا عن صربيا و مصالحها في البلقان،وبدورها ألمانيا وقفت إلى جانب حليفتها النمسا و أعلنت الحرب على روسيا في 1 أوت، بعدما رفضت هذه الأخيرة وقف التعبئة العامة،ثم قامت ألمانيا مرة أخرى بإعلان الحرب على فرنسا في 3أوت،و تمكنت قواتها من غزو بلجيكا في 4 أوت، فدفع بذلك بريطانيا إلى إعلان الحرب على ألمانيا..
لم تلبث الحرب أن اتسع نطاقها في القارة الأوروبية ثم أصبحت عالمية، بدخولها عدة دول، مثل تركيا التي انضمت إلى دول الوسط في نوفمبر1914،(دفاعا عن كيانها المهدد من دول الوفاق لاسيما روسيا)، و تبعتها بلغاريا في سنة 1915 ، مدفوعة بعامل الرغبة في تحرير بلادها من نفوذ روسيا، و جمع شمل العنصر البلغاري في البلقان تحت رايتها.و من جهة أخرى انضمت كل من اليابان و الصين إلى دول الوفاق و أعلنتا الحرب على ألمانيا في أوت 1914،بالنسبة للأولى و الثانية في أوت 1917 بهدف الاستيلاء على أملاك ألمانيا في الشرق الأقصى.
انضمت إيطاليا إلى دول الوفاق في سنة 1915 بموجب معاهدة لندن السرية المبرمة بين الطرفين بتاريخ26 أفريل1915،حيث تلقت وعودا من الحلفاء لتحقيق أطماعها التوسعية على حساب الإمبراطورية الثنائية النمساوية المجرية و ذلك بضمها إقليم الترنتينو الذي يسكنه إيطاليون و إقليم تريستا و أستريا ،و أجزاء من ساحل دلماشيا بالبحر المتوسط. و تبعت إيطاليا كل من اليونان و رومانيا في نفس السنة بهدف تحقيق أطماعهما التوسعية على حساب النفوذ النمساوي المجري و العثماني في البلقان، و أخيرا الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1917 جراء تعرض مصالحها للخطر الألماني في أوروبا (( أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد لزمت الحياد في باديء الأمر و لكنها أخذت تتجه تدريجيا نحو الحرب ،نظرا لصلة الدم التي تربطها بانجلترا، و الديون العظيمة التي كانت لها عند الحلفاء و مركزها الإقتصادي في العالم، ذلك المركز الذي كان يجعل انتصار ألمانيا إفلاسا لها و خطرا عظيما عليها،فلما خرجت روسيا من الحرب إثر الثورة،و نجحت الغواصات الألمانية في أوائل سنة 1917 بعض النجاح أصبح لا مناص من دخول أمريكا الحرب لاسيما و قد تهيأ لها الرأي العام بتأثير دعوة الحلفاء عن الفضائح التي ارتكبها الألمان في بلجيكا و فرنسا و بتأثير النزاع الذي نشب بين ألمانيا و أمريكا على المسائل البحرية و غيرها...))
هــ-سير و تطور الحرب:
-المرحلة الأولى(1914-1916):أبرز أحداثها و تطوراتها:
-في الجبهة الغربية:
-تمكنت القوات الألمانية من عبور حدود بلجيكا-الدولة المحايدة- في 4 أوت 1914،و قيامها بغزو شمال شرق فرنسا في نهاية أوت و توغلها حتى بلغت مشارف باريس،و كانت خطة الألمان(خطة شليفن) تقتضي السيطرة على العاصمة باريس في حرب خاطفة و سريعة حتى يتم إخراج فرنسا من الحرب و التفرغ لروسيا في الجبهة الشرقية،غير أنهم فشلوا في تحقيق هدفهم هذا، بسبب عدم التزام القائد الألماني للجيش الجنرال(مولتكه) بالخطة موضع التنفيذ،حيث قام بتغييرها و توجه شرق بريس،فأنكشف جناحه الأيمن أمام الجيشين الفرنسي و البريطاني في معركة المارن 6 -11 سبتمبر 1914 التي اضطرت الجيش الألماني إلى التراجع أمام الجيش الفرنسي.
-قيام الألمان بشن هجوم أخر على مدينة فردون الفرنسية الواقعة بالقرب من الحدود الألمانية، و المتحكمة في البوابة الشرقية لفرنسا،لكنهم اضطروا للتراجع بسبب استماتة الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال فيليب بيتان في معركةفردان التي امتدت من فيفري إلى جوان 1916،فقدت فرنسا فيها حوالي500000 قتيل بينما قدرت خسائر الألمان بحوالي 600000 قتيل
-قيام الحلفاء بهجوم مضاد ضد القوات الألمانية و اشتباكهم في معركة السوم(نهر السوم بفرنسا) التي امتدت من 1 جويلية إلى 18 نوفمبر تكبد فيها كلا الطرفين خسائر بشرية و مادية جسيمة.1916
-في الجبهة الشرقية:
تمكن الروس في بداية الحرب من اختراق بروسيا الشرقية ،لكن الألمان سرعانما استرجعوا قواهم و تمكنوا من إنقاذ بروسيا، و هزموا الروس في معركة تاننبرج 26 أوت 1914 التي تكبد فيها الروس خسائر جسيمة مادية و بشرية،كما مكنت هذه المعركة الألمان من السيطرة على مناطق هامة من روسيا ، و على بولندة و ليتوانيا..و قد حاول الإنجليز إنقاذ روسيا من خلال حملتهم على الدردنيل خلال شهر سبتمبر 1915 بهدف فتح المضائق لإيصال المساعدات العسكرية اللازمة لها إلا أنهم منيوا بالفشل الذريع.
كما شهدت هذه المرحلة لجوء كلا الطرفين إلى حرب الخنادق التي بدأت في شهر سبتمبر و لم تتوقف إلا في مارس 1918 دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.
-في الجبهة الجنوبية:
أمام ضعف المقاومة النمساوية، تمكنت القوات الروسية في بداية الحرب من غزو غاليسا، وهددت سيليزيا ،وتواصلت معاناة النمسا بانهزامها أمام صربيا التي تمكنت من غزو البوسنة.و في أكتوبر 1915 تقدمت القوات الألمانية في هذه الجبهة و اشتراكها في حملة مع القوات النمساوية و البلغارية،ونجحت في الأخير من اجتياح الأراضي الصربية و وصولها إلى تيرانا عاصمة ألبانيا . و في الوقت الذي كان فيه الألمان يقاتلون الفرنسيين و الإنجليز في معركتي فردان و السوم خلال سنة 1916 ،تمكنت القوات الروسية بقيادة الجنرال بروسيلوف من دحر القوات النمساوية المجرية و الاستيلاء على مناطق هامة من الحدود المجرية، الأمر الذي شجع رومانيا على دخول الحرب إلى جانب الحلفاء،إلا أن القوات الألمانية سرعانما نجحت في اجتياح الأراضي الرومانية و الإستيلاء على العاصمة بوخاريست في 6 ديسمبر 1916 و استطاعت أيضا من خلال اشتراكها في حملة مع القوات النمساوية و المجرية في إلحاق هزيمة قاسية بالقوات الإيطالية في معركة كابوريتو 24/10/1917 .
- في جبهة المشرق العربي:
تمكن الأتراك من توقيف الزحف البريطاني على البصرة بالعراق في اتجاه الشمال عند كوت العمارة و حاصروا الجيش الانجليزي و أرغموه على الاستسلام.و من جهة أخرى وفقت بريطانيا في حماية قناة السويس و مصر ككل من الخطر التركي و الألماني بفضل الدعم الذي لقيته من طرف الشريف حسين الذي قاد الثورة العربية ضد الحكم التركي بالهلال الخصيب(العراق و الشام) والحجاز سنة 1916 .
-في الجبهة البحرية:
حاولت بريطانيا محاصرة ألمانيا بحريا لقطع الإمدادات عليها،و عزلها عن مستعمراتها في الشرق الأقصى التي أصبحت هي الأخرى مهددة من طرف الصين و اليابان، مما دفع بالألمان إلى إعلان حرب الغواصات ضد جميع سفن دول العالم المتجهة إلى بريطانيا سواء كانت حربية أو تجارية بهدف محاصرة بريطانيا و الحيلولة دون استفادتها من المساعدات و الإمدادات الخارجية ،وجرت بين الطرفين معركة جوتلاند(في بحر الشمال) في 21 ماي 1916 التي لم تكن حاسمة بين الطرفين.
-المرحلة الثانية(1917-1918):أبرز أحداثها و تطوراتها:
-في الجبهة الشرقية:
شهدت انسحاب روسيا من الحرب بسبب تدهور جيشها معنويا و فنيا جراء النكبات التي حلت به ،نتبجة تخلف قيادته و انتشار المجاعة في أوساطه وصعوبة تموينه هذا من جهة، وأيضا بسبب الثورة البلشفية المندلعة في 8مارس1917 التي أطاحت بنظام نيقولا الثاني و أسرته آل رومانوف، و إقدام البلاشفة بقيادة لينين على عقد الهدنة مع الألمان في ديسمبر 1917،ثم توقيعهم على صلح برست ليتوفسك مع الألمان في 3مارس 1918 ، الذي من أهم ما تضمنه: ((تنازل روسيا عن دويلات البلطيق(استونيا و ليفونيا و كورلند و لتوانيا) و فنلندا و بولندا و تنازل روسيا للدولة العثمانية عن باطوم و قارص و أردهان، و الجلاء عن أوكرانيا و الاعتراف بمعاهدتها مع ألمانيا)) ، و من ثمة خرجت بموجبه روسيا من الحرب بعدما خسرت مساحات شاسعة من أراضيها.
-في الجبهة الغربية:
أمام استمرار حرب الغواصات الألمانية التي استهدفت السفن التجارية الأمريكية ، رغم الإنذارات الأمريكية الموجهة لألمانيا التي لم تكن مبالية بها، خاصة و أنه سبق لها و أن أغرقت السفينة الأمريكية ((لويزيتانيا)) في سنة 1915 و التي كان على متنها حوالي 118 راكبا أمريكيا ، و ازداد التوتر في العلاقات بين الطرفين بشكل مريب بعدما اكتشف الأمريكان أن الألمان قاموا بمحاولة لتحريض المكسيك على مهاجمة أمريكا مقابل مساعدتها على استرجاع مناطق(نيو مكسيكو و كاليفورنيا) سيطرت عليها أمريكا منذ سنة 1848 ،إضافة إلى أن المصارف الأمريكية كانت قد أقرضت فرنسا و بريطانيا قروضا كبيرة لتمويل مجهودهما الحربي،فهذه الظروف و العوامل جميعها دفعت بأمريكا للدخول في الحرب إلى جانب دول الوفاق في 6 أفريل 1917 حتى تحافظ على مصالحها المرتبطة بالحلفاء.
ساهم دخول الحرب في تغيير موازين القوى لصالح الحلفاء بفضل الدعم العسكري الأمريكي الكبير لهم من جنود وأسلحة حديثة ،ساعدهم كذلك على إحكام الحصار حول ألمانيا ،و إنقاذ بريطانيا من الإستسلام، بعد ان فقدت عددا كبيرا من سفنها و أصبحت غير قادرة عن نقل المواد الضرورية اللازمة للحرب.
وبعد توحيد القيادة العليا للحلفاء تحت قيادة الجنرال فوش في مارس 1918، تمكنت من مقاومة الألمان و توقيف زحفهم في جبهة أرمنيتير لاباس بحيث لم يستطع الجيش الألماني قادرا على مواصلة الهجوم ضد الحلفاء في هذه الجبهة بسبب النقص في التموين و قوة جيوش الحلفاء.
و بدوره الجنرال الفرنسي بيتان استطاع صد هجوم أخر للألمان في المارن في شهر ماي 1918 ،كما نجح الجنرال فوش مرة أخرى في توقيف الهجوم الألماني في منطقة شمباني في جويلية من نفس السنة و أرغم الألمان على التراجع،إضافة إلى هجومات أخرى جديدة شنها الحلفاء على الألمان خلال شهري جويلية و أوت 1918 ،الحقوا من خلالها هزائم شنيعة بالقوات الألمانية ،و شجعت هذه الظروف القوات البريطانية على اختراق جميع خطوط الألمان في هذه الجبهة و وصولها إلى شمال فرنسا و وصلت بقية جيوش الحلفاء إلى فرنسا و من ثمة أصبحت ألمانيا على وشك الاستسلام، سيما بعدما أخذ حلفائها يستسلمون الواحدة تلو الأخرى.
-في الجبهة الجنوبية:
منيت الجيوش الإمبراطورية النمساوية المجرية بهزيمة نكراء أمام الحلفاء في معركة فينيتو،و أمام تزايد هزائم الجيش النمساوي و اضطراب الوضع الداخلي للنمسا جراء نقص المواد الغذائية الضرورية،لاسيما بعد موت الامبراطور فرانسوا جوزيف و فشل ابنه (شارل الأول)-خليفته- في إيجاد حل للوضع الكارثي الذي آلت إليه البلاد ،اضطر إلى طلب الهدنة في 3 نوفمبر 1918،كما نجح الحلفاء أيضا في إجبار بلغاريا على الاستسلام في 29 سبتمبر 1918، فتحطمت بذلك أمال ألمانيا في استمرار حلفائها في مقاومة الحلفاء لتخفيف أعباء الحرب و فك الحصار عليها.
-في المشرق العربي:
تمكنت بريطانيا بمساعدة الشريف حسين(أمير مكة) الذي كان يقود الثورة العربية منذ 10 جوان 1916 ضد الأتراك، من السيطرة على العقبة في 6/7/1917 و القدس في 9/12/1917 و دمشق 1918 و بيروت و بغداد في مارس 1917 ،و اقتراب قواتها من الموصل و تهديدها الاستانة ، الأمر الذي دفع بتركيا إلى طلب الهدنة في نوفمبر 1918.
-استسلام ألمانيا:
في ظل استمرار تراجع الجيش الألماني و توالي هزائمه في ميادين القتال أمام جيوش الحلفاء ،الذين نجحوا في أسر حوالي ربع مليون جندي ألماني و اضطراب الوضع الأمني الداخلي لألمانيا،خشيت بذلك القيادة العسكرية الألمانية و على رأسها لودندوف من استغلال الحلفاء لهذه الظروف و إقدامهم على احتلال ألمانيا،و لتجنب هذه الظروف الخطرة طالبت الحكومة الألمانية في أول أكتوبر 1918 من الرئيس الأمريكي، صاحب المباديء 14 المعلن عنها في 18 جانفي 1918 الهدنة، لكن هذا الأخير اشترط عليهم تشكيل حكومة ديمقراطية و إزاحة الإمبراطور الألماني وليم الثاني من الحكم((فأبدى الألمان استعدادهم لعزله و انتشرت الثورة في مختلف المدن الألمانية و قام الشعب الذي أضناه الجوع و أسقمه الشقاء و أفزعته هزيمة جيوشه و كثر أسراه و انسحاب أنصاره مطالبا بعقد الصلح فورا فاكره القيصر وولي عهده على أن يلوذ بالفرار الى هولندة في 9 نوفمبر 1918 و نودي بالجمهورية في اليوم نفسه)) .
و بعد تعيين فردريك إيبرت رئيسا للحكومة الألمانية الجديدة ،وقعت هذه الأخيرة على هدنة روتوند مع الحلفاء في 11/11/1918 التي كانت مجحفة في حق الألمان،فمن أهم ما جاء فيها ما يلي:
-جلاء جنود الألمان عن جميع الأراضي التي احتلوها في بلجيكا و فرنسا و لكسمبورغ و الألزاس و الانسحاب إلى ماوراء الضفة الشرقية لنهر الراين و أن يحتل جنود الحلفاء تلك الرقعة من الأراضي الألمانية
-تسليم ألمانيا الجانب الأكبر من أسطولها الحربي و جميع غواصاتها و القدر الأكبر من أسلحتها
-إطلاق سراح جميع الأسرى من جنود الحلفاء
-وضع جميع خطوط السكة الحديدية الألمانية الواقعة على الضفة اليسرى للراين تحت تصرف الحلفاء
-إلغاء معاهدتي بريست لتوفسك و بوخاريست اللتين عقدتهما ألمانيا مع روسيا و رومانيا.
كرست الهدنة الاستسلام الحقيقي لألمانيا ميدانيا، و بموجبها توقفت الحرب بصفة نهائية في أوروبا .
نتائج الحرب العالمية الأولى
مقدمة:
خلفت الحرب خسائر كارثية بشرية و مادية و إقتصادية و مآسي إجتماعية سيما بالنسبة لبلدان أوروبا،و على نقيض من ذلك تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من استغلال ظروف الحرب لتطوير اقتصادها بشكل جلي،كما أحدثت الحرب تغييرات أخرى في المجال السياسي عامة،و على خريطة أوروبا الجيو سياسية خاصة.فماهي مظاهر هذا التغيير و العوامل الأخرى المؤثرة فيه؟
أولا-معاهدات مؤتمر الصلح 1919:
بعدما وضعت الحرب أوزارها عقد الحلفاء المنتصرون مؤتمرا بباريس يوم 18 جانفي 1918،استمرت أشغاله إلى غاية شهرأوت 1920بهدف تحديد مصير الدول المهزومة ، وتسوية المشاكل المختلفة التي افرزتها الحرب،شاركت فيه حوالي 32 دولة،و غيبت الدول المهزومة و المحايدة عن الحضوربما فيها روسيا لانسحابها من الحرب و انتصار الشيوعية فيها.
أدار المفاوضات في المؤتمر رئيس وزراء فرنسا(جورج كليمنصو)) بمساعدة الجنرال الفرنسي ((فوش))، و رئيس الوزراء البريطاني (دفيد لويد جورج)،و رئيس الوزراء الإيطالي(فيتوريو أورلاندو)، و الرئيس الأمريكي (وودرو ويلسون) صاحب المباديء 14.و بعد انسحاب ممثل ايطاليا،اقتصرت عملية دراسة تفاصيل اتفاق إقرار السلام على الشخصيات المذكورة أعلاه.
تمخض عن المؤتمر إبرام معاهدات السلام من طرف الدول المنتصرة مع الدول المهزومة في الحرب، و هي كالأتي:
1-معاهدة فرساي(Versailles 28/جوان 1919:
وقعت المعاهدة في قاعة المرايا بقصر فرساي بباريس من طرف ممثلين عن الحلفاء و ألمانيا،احتوت على 440 مادة، تقع في 200 صفحة، تضمنت و ميثاق خاص بــ عصبة الأمم، كجهاز لحفظ السلم و الأمن الدوليين ،إضافة إلى شروط فرضت ألمانيا كعقوبات استهدفت تجريدها من كل عناصر القوة، يمكن أن نلخصها في الأتي:
أ-الشروط التأديبية:
تبعا للمادة 231 من المعاهدة تم تحميل ألمانيا مسؤولية القانونية عن نشوب الحربو جميع الجرائم المرتكبة في حق السكان، و الخسائر المادية و الاقتصادية التي ألحقت بالدول و معاناتها الاجتماعية ، و غيرها من الفوضى و المشاكل المختلفة التي عرفها العالم خلال فترة الحرب و غداتها، و هذا بسبب رغبتها في السيطرة على العالم.كما نصت على محاكمة قيصرها((غليوم الثاني))، و قادتها الحربيين و المسؤولين السياسيين الذين تورطوا في الحرب و خالفوا قوانينها،و إجبارها أيضا على دفع تعويضات مالية للدول المتضررة من الحرب.
ب-الشروط الجيو سياسية:استهدفت تقليص المساحة الترابية للإمبراطورية الألمانية على النحو الأتي:
-إعادة الألزاس و اللورين إلى فرنسا
-إعادة أوبن و مالميدي غلى بلجيكا
-تنازلها عن شمال شلزويج لصالح الدانمارك.
-اعترافها بدولة بولندة الجديدة، و تمكينها من الحصول على منفذ إلى بحر البلطيق، الذي أدى إلى فصل بروسيا الشرقية عن ألمانيا ، ووصولها إلى ميناء دانزينغ الحيوي، ،و حصولها أيضا على قسم هام من سيليزيا ذات الأهمية الاقتصادية البالغة، و بوسمانيا و بوميرانيا
-تجريدها من منطقة السار و وضعها تحت ادارة عصبة الأمم لمدة 15 سنة،بعد ذلك يحدد مصير سكانها عن طريق الاستفتاء، و حق فرنسا في استغلالا ثروات المنطقة خلال هذه المدة
-تجريد منطقة الرين من السلاح
-تنازلها عن جميع مستعمراتها في الخارج لصالح الدول المنتصرة ،حيث تقاسمت فرنسا و بريطانيا الكامرون،و اخضعت كل من تنجانيقا و توجولاند للانتداب البريطاني، كما وضعت جنوب غرب إفريقيا تحت انتداب جنوب إفريقيا،و سيطرة اليابان على جزر مارشال،و كارولينا و ماريان بالمحيط الهادين، و استولت الصين على كياوتشاو بشيه جزيرة شانتونج الواقعة بأراضيها:
ب-الشروط الحربية:
-تحديد عدد قواتها بــ100 ألف جندي من مجموع 400 ألف جندي كانت تحتفظ بهم، و إلغاء التجنيد الإجباري
-منعها من الإحتفاظ بأسطولها الحربي
-حظر عليها تطوير انتاج صناعة المعدات و الذخائر الحربية و تشييد قلاع و حصون و بناء ثكنات على الضفة اليمنى من نهر الراين،أما الضفة اليسرى منه فقد تقرر اخضاعه لسيطرة الحلفاء لمدة تتراوح مابين خمس غلى خمس عشر سنة لضمان تنفيذ المعاهدة.
-حق الحلفاء في الإشراف على التعليم العسكري الألماني و مراقبة نشاط صناعتها الحربية
ج-الشروط الإقتصادية:
-تسليم أسطولها التجاري، و كميات هائلة من المواد الأولية(الفحم، الخشب) و المعدات و المواد الكيمياوية و المواشي للحلفاء
-دفع تعويضات مالية للدول الحلفاء المتضررة من الحرب لم تحدد قيمتها بسبب تباين وجهات نظر الحلفاء،ليتم في الأخير الإتفاق في مؤتمر لوزان 16 جوان 1923 على وجوب دفع ألمانيا حوالي ألف جنيه استرليني دفعة أولى
-منح تسهيلات جمركية للحلفاء
-احترام حرية الملاحة في نهر الدانوب وو الإلب، و قناة كيال
2-معاهدة سان جيرمانSaint -Germain 10/09/1919:
وقعت عليها النمسا في هذا التاريخ، و تم بموجبها انكماش مساحة النمسا،و تضاءل عدد سكانها،بفقدانها مناطق واسعة من ترابها،و تفكك امبراطوريتها باستقلال الشعوب و القوميات الخاضعة لها على النحو الأتي:
-تنازلها عن اقاليم هامة لصالح دولة بولونيا الجديدة،على رأسها بولونيا النمساوية،و ترانسلفانيا و البوكوفي
-تجريدها من بوهيميا،و مورافيان و سيليزيا النمساوية، و أجزاء من النمسا السفلى التي تكونت منها دولة تشيكسلوفاكيا
-تنازلها عن صربيا التي أصبحت تشكل مع الأقاليم الأخرى كالبوسنة و الهرسك و دالماشيا و الجبل الأسود و كرواتيا دولة يوغوسلافيا الجديدة
-تنازلها لإيطاليا عن ترستا و استريا و التيرول، و ممر برنار الإستراتيجي
-شروط أخرى: منعها من الاتحاد مع المانيا مستقبلا، و تحديد عدد قواتها
3-معاهدة نوييي Neuilly27/11/1919:
أبرمها الحلفاء مع المجر،و تم بموجبها تنازل هذه الأخيرة عن مقدونيا لصالح اليونان،كما فقدت لاحقا تراقيا لصالح اليونان(بموجب معاهدة سيفر 1920)، و أجبرت على دفع تعويضات مالية للحلفاء(حواي مليونين و نصف فرنك فرنسي) و تحديد قواتها العسكرية
4-معاهدة تريانون Trianoun4/06/1920:
عقدت مع المجر، تنازلت بموجبها عن مناطق هامة آهلة بالعنصر السلافي لصالح يوغوسلافيا، و تشيكسلوفاكيا، و بولونيا،و اقرت بحصول كل من رومانيا على منطقة ترانسلفانيا، و إيطاليا على منطقتي ترستا و ترانت
5-معاهدة سيفر Severes11/08/1920، ثم معاهدة لوزان 23 جويلية 1923
استهدفت معاهدة سيفر تفكيك الامبراطورية العثمانية،بحيث قررت إعطاء تراقيا مع أدرنة لليونان،و قسمت باقي مناطق الأناضول بين الحلفاء،و الإعتراف بالإنتداب البريطاني على فلسطين و العراق، وو الانتداب الفرنسي على سوريا و لبنان، و وضعت الإستانة و مضيقي البوسفور و الدردنيل تحت الرقابة الدولية.
إذا كان السلطان العثماني ،قد وقع على هذه المعاهدة،إلا أن الشعب التركي و حكومته الجديدة المشكلة في أنقرة بقيادة مصطفى كمال أتا تورك رفض الاعتراف بهذه المعاهدة،و كون جيشا جديد تمكن من هزم اليونانيين في الأناضول،و أجبر في الأخير الحلفاء على اعادة النظر في هذه المعاهدة و استبدالها بمعاهدة لوزان ،التي بموجبها استرد الأتراك مناطقهم المفقودة في الأناضول، و تراقيا، و جلاء الحلفاء عن الإستانة،و إلغاء الغرامة الحربية و القيود العسكرية المفروضة عليهم بموجب معاهدة سيفر و بالمقابل أجبرت تركيا على:
-تنازلها عن منطقة الهلال الخصيب(العراق، سوريا، لبنان،و فلسطين) لصالح بريطانيا و فرنسا
-تنازلها عن جزيرة قبرص
-تنازلها عن جزر الدوديكانيز، و رودس،في بحر إيجه لصالح ايطاليا
-تجريد مضيقي البوسفور و الدردنيل من السلاح، و جعلهما المفتوحان في وجه السفن
-تقييم المعاهدات:ما مدى نزاهة معاهدات مؤتمر الصلح؟
-شعور الألمان بالخدعة،مؤكدين أنهم استجابوا لوقف الحرب رغم أنهم لم يكونوا منهزمين عسكريا في الميدان،لثقتهم المفرطة في مباديء ويلسون 14،كقاعدة لإقامة السلام،و التي من أهمها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها،إلا أنهم لم يستفيدوا منه،بل تعرضوا للذل و الهوان على يد الحلفاء الذين أرغموهم على التوقيع على معاهدة فرساي القاسية في شروطها،التي استهدفت تجريدهم من كل عوامل التهوض و القوة و هو ما كانت تهدف إليه فرنسا.
-تمكين شعوب و قوميات في شرق و وسط أوروبا من الإستفادة من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها و تخليصها من الحكم الأجنبي، و تكوين دول جديدة خاصة بها على غرار بولونيا و تشيكسلوفاكيا،و يوغوسلافيا،كما ظهرت دول أخرى مستقلة في ساحل البلطيق مثل :ليتوانيا،لاتافيا،استونيا ،إلا أن الشعوب العربية الخاضعة للإستعمار الغربي باشكاله المختلفة لم تستفد منه،و حتى منطقة الهلال الخصيب(العراقة و الشام) المسلوية من الدولة العثمانية ،بل أخضعها مؤتمر الصلح للإنتداب البريطانيي و الفرنسي
-قيام دول جديدة في أوروبا كان على حساب الدول المغلوبة التي فقدت الكثير من المناطق المأهولة بالسكان إضافة لأهميتها الزراعية و المنجمية و الإستراتيجية،على غرار ألمانيا(دانزينغ،الممر البولوني،أوبن، مالميدي،و بوهيميا)،و تشيكسلوفاكيا ضمت هي أقليات ألمانية قدر عددها بحوالي ثلاثة ملايين نسمة،و بولونيا هي الأخرى اشتملت على حوالي مليونين من الألمان...ظلت هذه الأقليات تطالب بالعودة إلى وطن الأم و تناضل من أجل تحقق ذلك،فتسببت في تأزم العلاقات الدولية خلال الثلاثينيات القرن الماضي
-الغرامات الباهضة المفروضة على ألمانيا دون مراعاة ظروفها الداخلية المتأزمة،فهيأت بذلك الوسط الملائم لبروز الحزب النازي بقيادة هتلر و وصوله إلى السلطة وتوعده بتخليص ألمانيا من قيود معاهدة فرساي و استرداد المناطق المفقودة
-تغييب روسيا عن الحضور لمؤتمر الصلح بسبب نجاح الثورة الشيوعية فيها، و إجبارها على التنازل على دويلات البلطيق و مناطق هامة لصالح بولونيا، إضافة إلى انسحاب ايطاليا من المؤتمر لشعورها بالإهانة ،لأنها لم تحصل على ما وعدت به من طرف الحلفاء في ضم مناطق استراتيجية رغبت فيها في بداية الحرب مقابل انضمامها إليهم سنة 1915، بل أجبرت على التنازل عن مناطق حيوية في بحر الأدرياتيكي،فسيؤدي ذلك لا محالة إلى تعميق الهوة بين هاتين الدولتين و فرنسا و بريطانيا
ثانيا:النتائج الإجتماعية و الإقتصادية للحرب
أ-النتائج الإجتماعية:
-الخسائر البشرية:
خلفت الحرب حوالي ثمانية ملايين قتيل، و أكثر من 21 مليون جريح،و حوالي 7.8 مليون من الأسرى و المفقودين،إضافة إلى عشرات الآلاف من اللاجئين الذين دمرت مساكنهم و استولت الدول المتحاربة على أوطانهم ،خاصة بالنسبة للفرنسيين، و البلجيكيين و الايطاليين،الذين أصروا على العودة إلى بلدانهم بنهاية الحرب.
ومن أكثر الدول المتضررة في هذا الميدان،توضحه معطيات الجدول التالي:
الدولة |
القتلى |
الجرحى |
الأسرى و المفقودين |
ألمانيا |
1.773.700 |
4.316.058 |
1.152.800 |
روسيا |
1.700.000 |
4.950.000 |
2.500.000 |
فرنسا |
1.358.700 |
4.366.000 |
537000 |
النمسا |
1.200.000 |
3.620.000 |
2.200000 |
بريطانيا |
908371 |
2.090.212 |
191652 |
تركيا |
325000 |
400.000 |
250.000 |
الولايات المتحدة الأمريكية |
126000 |
324000 |
45000 |
بلجيكا |
13716 |
44686 |
34659 |
بلغاريا |
87500 |
152290 |
37029 |
اليونان |
5000 |
21000 |
1000 |
-تراجع نسبة الشباب،لأن معظم القتلى و الجرحى كانوا من فئة الشباب الذكور الذين تراوحت أعمارهم مابين 20 و 40 سنة،ما أدى إلى نقص اليد العاملة الأوروبية و اختلال التوازن الاجتماعي بين الذكور و الإناث.
-انتشار البطالة و نقص الغذاء و المواد الصناعية الإستهلاكية و ازدياد الطلب عليها،الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها في أوروبا لانشغال دولها بالاقتصاد الحربي،و بسسب الدمار الذي طال وسائل الإنتاج من مصانع و آلات و أراضي زراعية.....إلخ، اضافة إلى الخراب الذي لحق المباني السكانية و المدارس و غيرها من المؤسسات التعليمية و الثقافية
ب-النتائج الاقتصادية:
1-إنهيار اقتصاديات بلدان أوروبا: من خلال المظاهر التالية:
-تخريب البنية الإقتصادية لجل دول أوروبا:مصانع، شبكة النقل و المواصلات من طرق برية و جسور،و مطارات و شبكة السكة الحديدية ، و مصانع، و موانيء، و غيرها وسائل النقل المختلفة الأخرى..اخ
-دمار الأراضي الزراعية،و إحراق الغابات و هلاك الماشية لاسيما فرنسا التي فقدت تسعة أعشار من قطيعها البقري،كما فقدت الدول الأوروبية المهزومة أراضي زراعية هامة و ثروات منجمية و غابية بموجب معاهدات الصلح ،و نجد على على رأسها ألمانيا.
-العجز المالي، و انخفاض قيمة العملات الأوروبية مقارنتها مع قيمة الدولار بسبب التضخم، واستنفاد الدول الأوروبية احتياطها الذهبي نتيجة استخدامه في شراء حاجياتها الحربية من الخارج،و لجوئها إلى الاستدانة من الولايات المتحدة الأمريكية،لاسيما فرنسا و بريطانيا،فهذه الأخيرة استدانت حوالي 6 ألاف مليون دولار.
2-إزدهار الاقتصاد الأمريكي:
إن ابتعاد أراضي الو.م.أ عن مسرح الحرب، و حاجة الدول المتحاربة لمنتوجاتها،كان له انعكاس ايجابي على اقتصادها، حيث تضاعف إنتاجها الزراعي و الصناعي،و من ثمة ازدهرت تجارتها الخارجية،حيث ارتفعت قيمة صادراتها خلال الفترة الممتدة ما بين 1913 و 1918 من 3 ألاف مليون دولار إلى 6 ألاف مليون دولار، و حققت فائضا في ميزانها التجاري خلال فترة الحرب قدر بحوالي 7.5 ألاف مليون دولار،و احتكرت نصف الذهب العالمي،و أصبحت دائنة للدول الحليفة بـ10 ألاف مليون دولار،كما قدرت استثماراتها الخارجية بحوالي 8 ألاف مليون دولار،إضافة إلى هيمنتها الإستثمارية الإقتصادية على اقتصاديات بلدان أمريكا الجنوبية.
ثالثا:تأسيس عصبة الأمم
مقدمة:
في ظل اضطراب العلاقات الدولية،و ما خلفته الحرب من ويلات و مآسي في شتى مجالات الحياة لاسيما بالنسبة للبلدان الاوروبية،ازدادت قناعة الرأي العام العالمي بضرورية إنشاء جهاز دولي ينظم العلاقات الدولية على أسس سلمية و من ثمة يجنب العالم وقوع حروب مستقبلا،وقد تجسدت فكرة هذا التنظيم الجديد في مؤتمر الصلح ،حيث تم الإعلان عن ميلاد عصبة الأمم1919،فهل وفقت في تأدية الدور المنوط بها؟
1-ظروف و دوافع تأسيس عصبة الأمم:
شكلت الخسائر الجسيمة التي منيت بها أوروبا في شتى مجالات الحياة بفعل الحرب دافعا قويا لإيجاد أداة دولية دولية يعول عليها لحفظ السلم و الأمن الدوليين، و من ثمة تجنب العالم وقوع حروب مستقبلا.
و يعتبر الرئيس الأمريكي (وودرو ويلسون)) من أشد المتحمسين لتجسيد فكرة العصبة ميدانيا،حيث أكد على أهميتها لفض النزاعات بطرق سلمية ضمن مبادئه الأربعة عشرة الشهيرة التي عرضها على المتحاربين سنة 1918، و دافع عن فكرته بقوة في مؤتمر الصلح بباريس 1919، حيث ترأس لجنة رباعية وضعت ميثاق العصبة في 28 افريل 1919،(على أساس أنها منظمة دولية تحمي السلام العالمي لا بقوة السلاح لكن بقوة الرأي العام العالمي، و بقوة التقاء الدول فيها و ارتباطهم المعنوي)،إضافة إلى أهداف و مباديء و هياكل خاصة بالعصبة حددهاالميثاق الذي حضي في الأخير بموافق أعضاء المؤتمر.
3-أهدافها:يمكن تلخيص أهم أهداف قيام العصبة التي حددها ميثاقها على النحو الأتي:
-حفظ السلم و الأمن الدوليين بالطرق السلمية و تطوير التعاون بين الدول
-احترام المعاهدات الدولية و الامتناع عن عقد معاهدات او اتفاقيات سرية
-احترام سيادة الدول
-السعي لترقية الشعوب الخاضعة للانتداب و تحضيرها لمرحلة الاستقلال
-تحسين الظروف المعيشية للعمال و محاربة استغلال النساء و الأطفال
2-أعضاء في العصبة:
اعتبرت الدول الموقعة على ميثاق العصبة أعضاء أصليين،و فتح باب الإنتساب لجميع الدول المستقلة التي تلتزم بالمعاهدات الدولية و تبدي استعداداتها للمساهمة في حماية السلام العالمي، و يتوقف ذلك على موافقة ثلثي الأعضاء.
في سنة 1926 سمح لألمانيا بالانضمام للعصبة ،بينما التحق بها الإتحاد السوفياتي في سنة 1934بعدما استبعد من المشاركة فيها سنة 1919، بسبب ظروفه و تحولاته السياسية الداخلية الخاصة.و من المفارقات العجيبة أن الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة فكرة تأسيس العصبة امتنعت عن المشاركة فيها،بحجة رفضها التدخل في مشاكل القارة الأوروبية تحت ضغط الكونغرس الأمريكي، و بذلك فقدت العصبة مظهرها العالمي،و كان ذلك بمثابة ضربة قاضية وجهت لنفوذ العصبة و مستقبلها. افتتحت العصبة أول اجتماع لها بجنيف –مقرها الرئيسي- في نوفمبر 1920 بحضور ممثلي 42 دولة،ثم تزايد عدد أعضائها حتى بلغ وصل 60 دولة سنة 1934.
4-أجهزتها:
أ-الجمعية العامة:
مقرها جنيف بسويسرا، تعد بمثابة الهيئة التشريعية للعصبة ،تتكون من ممثلي الدول الأعضاء،وتحضى كل دولة فيها بصوت واحد،تجتمع في دورة عادية مرة كل سنة، و في دورة استثنائية كلما دعت الضرورة،تمثلت مهمتها أساسا في انتخاب أعضاء المجلس الأعلى غير الدائمين، و النظر في الإنتسابات الجديدة،و مناقشة مختلف قضايا السلام العالمي .
ب-المجلس الأعلى(مجلس العصبة):
يمثل الهيئة التنفيذية للعصبة،يتشكل من تسعة اعضاء،خمسة دائمون، وهم:بريطانيا، فرنسا،ايطاليا،اليابان، و الو.م.أ،وخلفتها ألمانيا في سنة 1926،و لما انسحبت هذه الأخيرة سنة1933 عوضتها روسيا سنة 1934
أما الأعضاء غير الدائمين فعددهم أربعة تنتخبهم الجمعية العامة لمدة سنة،يمثلون سائر الدول في العصبة.
و يجتمع المجلس بجنيف مرة كل ثلاثة أشهر للنظر في المشاكل الدولية و فيما تعرض عليه الجمعية العامة من مستجدات مختلفة.
ج-الأمانة العامة:
تمثل الجهاز الإداري للعصبة،الذي يتمكون من مجموعة موظفين،يرأسهم أمين عام منتخب من طرف المجلس و الجمعية العامة.
-هيئات أخرى تابعة للعصبة،أهمها:هيئة العمل الدولية، و محكمة العدل الدولية، و منظمة الصحة العالمية
6-أعمال العصبةومدى نجاحها في تحقيق أهدافها:
إذا كانت العصبة قد نجحت إلى حد ما في تنظيم الإستفتاء و إدارة المدن و المناطق الدولية كميناء دانزينغ و إقليم السار، و في سيليزيا العليا،و غيرها من المناطق المتصارع عليها، و إقرار الحدود بين بعض الدول الأوروبية، و تدبير شؤون المستعمرات الألمانية،و المناطق المشرقية العربية المسلوبة من الدولة العثمانية و ذلك باخضاعها للإنتداب الأوروبي ، بهدف تنميتها هذه المناطق و الانتقال بها من مرحلة الإستعمار إلى مرحلة الإستقلال، و عقدت مؤتمرات لنزع السلاح،و أخرى خاصة بالأمور الثقافية و العلمية و الصحية لتحسين أحول الشعوب في هذه المجالات و تنمية علاقات التعاون بين دولها،إلا أنها فشلت في حل المشاكل و النزاعات الدولية التي كانت الدول القوية طرفا أساسا فيها،مثل احتلال ايطاليا لجزيرة كورفو اليونانية(في بحر الادرياتيكي) سنة 1933، و احتلالها الحبشة 1935و اعتداء اليابان العسكرية على منشوريا الصينية 1931، و تدخل ألمانيا الهتلزبة في إسبانيا 1936، ، و غزو هتلر لبولونيا 1939، مما شجع الاتحاد السوفياتي على مهاجمة فنلندا ،و عجل باندلاع الحرب العالمية الثانية.
إن عدم قدرة العصبة على حفظ السلام العالمي مرده أساسا إلى عدم ولاء الدول الكبرى لتعهداتها،و اتخاذها وسيلة لتحقيق أغراضها الإستعمارية،إضافة إلى امتناع الو.م.أ عن المشاركة فيها،ففقدت بذبك قوة عالمية داعمة لها معنويا و سياسيا و عسكريا،تمكنها من فرض نفسها على القوى الأوروبية المتغطرسة كبريطانيا و فرنسا،و كبح جماح الديكتاتوريات الحديثة(ألمانيا النازية،إيطاليا الفاشية، و اليابان العسكرية) المهددة للسلم و الأمن الدوليين.
-المصادر و المراجع:
1-محمد قاسم،حسين حسني،تاريخ القرن التاسع عشر في أوروبامنذ عهد الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العظمى،المكتبة المصرية، القاهرة، 1929
2-عمر عبد العزيز عمر، محمد علي الفوزي،دراسات في تاريخ اوروبا الحديث و المعاصر1815-1950،دار النهضة العربية، بيروت ، 1999
3- عمر عبد العزيز عمر،تاريخ أوروبا الحديث و المعاصر(1815-1919)، دار المعرفة الجامعية مصر،2000
4-مفيد الزيدي،موسوعة تاريخ أوروبا الحديث و المعاصر،دار أسامة للنشر و التوزيع
5-عبد العزيز سليمان نوار نعبد المجيد نعنعي، التاريخ المعاصر ،أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية،دار النهضة العربية،بيروت،2014
6-عمر الديراوي،الحرب العالمية الاولى،دار العلم للملايين،بيروت، 1999
7-عبد العزيز رمضان، تاريخ أوروبا و العالم في العصر الحديث ،ج1 و 2 الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997
8-شوقي عطا الله الجمل، عبد الله عبد الرزاق ابراهيمنتاريخ أوروبا من النهضة حتى الحرب الباردة، المكتب المصري لتوزيع المطبوعاتن القاهرة،2000
9-سايمون آدامز، الحرب العالمية الأولى
10-صلاح احمد هريدي، أوروبا من الثورة الفرنسية حتى الحرب العالمية الأولى،الاسكندرية، مصر، 2000
11-عبد العزيز سليمان نوار،محمود محمد جمال الدين،التاريخ الاوروبي الحديث من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، دار الفكر العربي ، مصر، 1999