7-أجهزة المنظمات الدولية:
إن رهان تحقيق المنظمة الدولية لأهدافها ومهامها بوصفها إطارا يضم مجموعة من الدول التي ارتأت تنسيق المصالح المشتركة وتفعيل التعاون المتبادل فيما بينها يقتضي خلق أجهزة خاصة بالمنظمة، بحيث تمنح لها طابع الدوام والاستمرارية الذي يميزها عن غيرها من أشكال التنظيم الدولي كآلية عقد المؤتمرات الدولية. وتتميز أجهزة المنظمات الدولية بتنوع كبير في هياكلها مما يرتب اختلافا في أساليب عملها وطرق اتخاذ القرار سيما من حيث نظم التصويت المتبعة (الإجماع، الأغلبية، التوافق). وتنقسم أجهزة المنظمات الدولية إلى أجهزة أصلية وأجهزة فرعية:
أما الأجهزة الأصلية فهي التي تمنح للمنظمة الدولية بمقتضى الميثاق المنشئ لها، فالدول المؤسسة للمنظمة الدولية تتمتع بحرية خلق الأجهزة الأصلية التي تعتبرها ضرورية لسير عملها. وعلى سبيل المثال، فقد نصت المادة السابعة في فقرتها الأولى من ميثاق هيئة الأمم المتحدة على ما يلي: “الأجهزة الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة هي: جمعية عامة، مجلس أمن، مجلس اقتصادي واجتماعي، مجلس وصاية، محكمة عدل دولية وسكرتارية“. كما أن أي تغيير في تكوين الأجهزة الأصلية أو في السلطات الممنوحة لها أو في وظائفها يقتضي تعديلا شكليا للميثاق المنشئ للمنظمة، ويمكن تحديد الأجهزة الأصلية للمنظمة كما يلي:
فثمة بداية الجهاز العام الذي يتكون من جميع الدول الأعضاء بالمنظمة دون استثناء، ولهذا فهو عادة ما يحمل اسم “الجمعية العامة” كما هو الشأن بالنسبة للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، أو “المؤتمر العام” كمنظمة العمل الدولية، أو “الكونغرس” كالمنظمة الدولية للأرصاد الجوية… ويضطلع الجهاز العام في المجمل بمهام تتعلق بتوجيه السياسة العامة للمنظمة عن طريق اتخاذ المبادرة بطرح القضايا التي تدخل في اختصاص المنظمة والتداول بشأنها وفقا للتوجيهات التي تحددها الدول الأعضاء.
وتعقد الأجهزة العامة اجتماعاتها في دورات عادية تكون في الغالب سنوية مثلما هو عليه الحال مع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل وقد تنعقد الدورات العادية لتلك الأجهزة لمدد أطول بالنسبة لمنظمات دولية أخرى قد تصل إلى خمس سنوات، كما قد تعقد تلك الأجهزة دورات استثنائية كلما دعت الضرورة إلى ذلك. ويشار إلى أنه بالنسبة للمنظمات الجهوية التي لا يحق سوى لعدد محدود من الدول الانضمام إليها بناء على روابط تضامن معينة (جغرافية أو قومية أو عقائدية…)، فإن جميع الأجهزة التي تمثل فيها الدول من حيث المبدأ تكون أجهزة عامة.
وإلى جانب الأجهزة العامة، نجد أيضا الأجهزة المحصورة أو محدودة المقاعد التي تحيل إلى الجهاز التنفيذي داخل منظمة ما بالنظر لطبيعة المهام التنفيذية التي يزاولها (كمجلس الأمن الدولي)، بحيث تتكون هذه الأجهزة من عدد محدود من الدول الأعضاء بالمنظمة بخلاف الأجهزة العامة، إذ تطغى الاعتبارات السياسية في هذه الحالة على مبدأ المساواة بين الدول كأحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي. غير أن ذلك لا يعني التقليل من شأن الاعتبارات التقنية التي تسمح بتكوين تلك الأجهزة في شكل يسمح بالسير العادي لنشاطها بحيث تتميز بسلاسة عقد الاجتماعات والمناقشات والتصويت وغيره، كما تتوفر على كفاءات تساهم في الرفع من نجاعة عمل المنظمة.
وإضافة إلى الجهازين السابقين، تضم الأجهزة الرئيسية بالمنظمة أيضا الجهاز الإداري أو السكرتارية، وهي أجهزة مكونة من المعتمدين الدوليين أو الموظفين بالمنظمات الدولية الذين يتم انتقاؤهم على أساس مؤهلاتهم وليس اعتبارا لانتمائهم الوطني. ويتولى الجهاز الإداري المهام الروتينية اللازمة لسير العمل اليومي في المنظمة كالمشاركة في إعداد القرارات بتقديم الإسناد المعلوماتي والوثائق وتهييئ التقارير ومهام التنسيق وغيرها. ويقوم رئيس السكرتارية أو الأمين العام بوظيفة إدارة السكرتارية، إذ يعد أسمى موظف بالمنظمة، كما يمثل المنظمة بالخارج.
أما بخصوص الأجهزة الفرعية فهي الأجهزة التي يتم خلقها لاحقا (لعدم ورودها في الميثاق المنشئ) كلما اقتضت ضرورة عمل المنظمة الدولية ذلك، وهي أجهزة جد متنوعة سواء من حيث تكوينها أو من حيث وظائفها. ولا يعني كون الأجهزة فرعية بالضرورة أنها ثانوية وتابعة بل يمكن أن تلعب أدوارا في حجم أدوار الأجهزة الأصلية كالمفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة. ويتم عادة خلق الأجهزة الفرعية بواسطة الأجهزة الأصلية وفقا لما تقره أغلب مواثيق المنظمات الدولية، بل حتى في حالة سكوت المواثيق المنشئة عن ذلك، فإن الفقه الدولي يعتبرها من الاختصاصات الضمنية التي يقضيها عمل المنظمة.
وإضافة إلى الأجهزة الأصلية والفرعية التي تزاول مهاما ذات طبيعة سياسية وإدارية في المجمل، ثمة أيضا الأجهزة القضائية والتي قد تكون أصلية أو فرعية بحسب طبيعة المنظمة، وهي الأجهزة التي تقوم بوظائف النظر في القضايا والنزاعات في حدود اختصاصها المرتبط باختصاص المنظمة الدولية، كما تتكون من المعتمدين لدى المنظمة الدولية من ذوي الخبرات والكفاءات القانونية.
وتنقسم الأجهزة القضائية بالمنظمات الدولية إلى نوعين: فثمة من جهة محاكم دولية تختص بالنظر في النزاعات التي تخص الدول أو أجهزة المنظمات الدولية أو حتى الأفراد المنتمين لإحدى الدول الأعضاء في المنظمة (كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)، كما أن بعضها يختص أيضا بإصدار آراء استشارية بشأن المسائل القانونية وذلك بناء على طلب من المنظمات الدولية (كمحكمة العدل الدولية). وإلى جانب المحاكم الدولية، نجد كذلك المحاكم الإدارية التي تختص عادة بالنظر في النزاعات التي قد تنشأ بين المعتمدين لدى المنظمة الدولية وإدارة المنظمة كالمحكمة الإدارية للأمم المتحدة.