5-العضوية في المنظمات الدولية:
إن العضوية في المنظمة الدولية بوصفها أهم آلية للتنظيم الدولي المعاصر وكإطار لتنسيق المصالح المشتركة بين الدول يقصد بها الموافقة على الأهداف والمبادئ المنصوص عليها في الميثاق المنشئ للمنظمة، ومن ثم التوقيع والتصديق عليه للتمتع بالحقوق والوفاء بالالتزامات الواردة فيه. كما أن حق العضوية في المنظمات الدولية يخص بالأساس الدول وإن لم يكن قاصرا عليها على سبيل الحصر، فالدول هي التي تنشئ المنظمة الدولية وتؤلف أعضاءها، بحيث يعتبر الطابع الدولي ركنا أساسيا لقيام المنظمة الدولية.
وعليه، وجب التمييز بين صنفين من العضوية، فثمة من جهة الأعضاء الأصلية أو المؤسسة والتي تشمل الدول التي شاركت في الاعمال التحضيرية ووقعت على الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية، أي الدول التي أنشأت المنظمة. ويستتبع هذا عدم خضوعها لأي مسطرة خاصة بالانضمام، إذ تصبح عضوا بالمنظمة بمجرد المصادقة على الميثاق، وهو ما ينطبق أيضا في حالة حلول دولة محل أخرى كانت عضوا في المنظمة كألمانيا بعد توحيدها.
وإلى جانب الأعضاء الأصلية، ثمة أيضا الأعضاء المنضمة، أي تلك الدول التي تعلن عن رغبتها في الانضمام إلى منظمة دولية قائمة. ففي هذه الحالة، يخضع انضمام الأعضاء الجدد لشروط شكلية يحددها الميثاق بحيث تختلف من منظمة إلى أخرى، هذا بالإضافة إلى شروط موضوعية والتي تختلف بدورها تبعا لنوعية كل منظمة، فقد يكون الشرط جغرافيا (منظمة الاتحاد الأوروبي)، أو قوميا (جامعة الدول العربية)، أو عقائديا (منظمة التعاون الإسلامي)، وقد يكون الشرط أيضا ذو طابع سياسي كأن يشترط الميثاق في الدولة الراغبة بالانضمام أن تكون محبة للسلام (هيئة الأمم المتحدة).
أما بالنسبة لصور تلك العضوية، فالقاعدة هي أن الدول تكون كاملة العضوية بحيث تتمتع بجميع الحقوق ويكون عليها كذلك الوفاء بالالتزامات الواردة في الميثاق التأسيسي للمنظمة. غير أن الدول قد تتمتع أيضا بصفة عضو مشترك أو مؤقت في المنظمة الدولية، وغالبا ما يكون ذلك من أجل تحقيق أهداف مختلفة كقبول المشاركة من أجل تهييئ دولة ما للانضمام الرسمي لمنظمة معينة مثلما هو عليه الحال مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ويترتب على هذا الشكل من العضوية تمتع الدولة المشتركة بحقوق وكذا التزامها بواجبات محدودة كعدم التمتع بحق التصويت.
كما قد تشارك الدولة في المنظمة الدولية بصفة مراقب أو ملاحظ غير عضو، وكأبرز مثال على ذلك منظمة الأمم المتحدة التي تضم إلى جانب الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة دولا وكيانات أخرى غير أعضاء. إذ يحق للدولة التي تتمتع بصفة مراقب غير عضو أن تتحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تشارك في الاجتماعات المختلفة للمنظمة مع إمكانية التقدم بمقترحات وتعديلات والانضمام إلى اتفاقيات دولية، لكن دون أن يكون لها الحق في التصويت الذي تتمتع به الدول كاملة العضوية.
غير أن الدول ليست وحدها من تملك حق العضوية بالمنظمات الدولية، فقد تشمل هذه الأخيرة أيضا كيانات من غير الدول كالمنظمات الدولية التي يمكن أن تكون عضوا بمنظمة دولية أخرى وعادة ما تمنح صفة عضو ملاحظ في المنظمة التي تنضم إليها كما هو الحال مع عضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية في هيئة الأمم المتحدة. غير أن بعض المنظمات الدولية قد تقبل بالعضوية الكاملة لمنظمات دولية أخرى وبخاصة منظمات الاندماج الاقتصادي، وهو ما حدث مع منظمة التجارة العالمية بخصوص عضوية المجموعة الأوروبية.
ومن جهة أخرى، قد تقبل المنظمات الدولية بعضوية الأقاليم التي لها استقلال داخلي ولكن لا تتمتع بصلاحية إقامة علاقات دولية كأعضاء مشتركة وذلك بناء على طلب تتقدم به الدولة العضو التي يتبع لها ذلك الأقاليم، وإن كانت تقبل في حالات استثنائية بعضويتها الكاملة كما هو الشأن بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية.
هذا دون إغفال حركات التحرير الوطني التي تعلن تمثيليتها لشعوب تسعى إلى التحرر، بحيث تقبل كعضو ملاحظ أو مشارك من طرف هيئة الأمم المتحدة، ويمكن أن تقبل عضويتها أيضا لدى المنظمات الجهوية وذلك في إطار مساندة شرعية كفاح الشعوب من أجل التحرر. كما قد تمنح بعض المنظمات غير الحكومية صفة عضو ملاحظ في المنظمات الدولية كدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل المشاركة في دوراتها وأعمالها وذلك منذ سنة 1990.
أما بالنسبة لعوارض العضوية، فثمة الإيقاف الذي يعنى به حرمان العضو من حقوق العضوية لمدة معينة مع عدم تحريره من التزاماته القانونية والمالية إزاء المنظمة، وتفعل المنظمة الدولية جزاء الإيقاف وفقا لميثاقها في حالات معينة كإخلال العضو بالتزاماته المالية كما في منظمة الطيران المدني الدولية، وقد يحدث الإيقاف لأسباب أخرى كقيام الدولة العضو بعمل مخل بالأمن والسلم الدوليين (مجلس الأمن بالنسبة للأمم المتحدة). وإلى جانب الإيقاف، نجد جزاء الفصل الذي يقصد به إنهاء عضوية الدولة في المنظمة الدولية جراء تكرارها لانتهاك أحكام الميثاق، وهي عقوبة قصوى نصت عليها مواثيق المنظمات الدولية لضمان تنفيذ أحكامها.
ومن أبرز عوارض العضوية نجد كذلك الانسحاب الذي يحيل على إنهاء الدولة لعضويتها في المنظمة بمحض إرادتها، وتختلف المواثيق المنشئة للمنظمات الدولية في تناولها لموضوع الانسحاب، فبعضها يسكت عن هذا الموضوع (كميثاق منظمة اليونسكو)، وبعضها يجيزه بعد فترة سنة واحدة من الإعلان (كجامعة الدول العربية)، وبعضها سنتين (كمنظمة العمل الدولية). غير أن الثابت أنه طالما أن الدولة العضو تتمتع بالإرادة المستقلة انطلاقا من سيادتها يكون لها حق الانسحاب مكفولا طالما كان حق العضوية اختياريا.