الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية

الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية

بواسطة - Djamel BENMERAR
Number of replies: 0

3-الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية:

يعد الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية عنصرا رئيسيا من بين العناصر الضرورية لقيامها، ويمكن تعريفه بأنه “القانون الأساسي للمنظمة الدولية الذي يحدد كافة الجوانب القانونية الخاصة بالمنظمة والمتعلقة بمبادئها وأهدافها وأجهزتها واختصاصاتها والسلطات الممنوحة لها لتحقيق أهدافها، وغير ذلك من الوسائل اللازمة لسير العمل بها. كما تتعدد مسمياته على الرغم من وحدة الدلالة والمضمون، فهو الميثاق (هيئة الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية…)، أو الدستور (منظمة الصحة العالمية…)، أو النظام الأساسي (صندوق النقد الدولي…)، أو القانون التأسيسي (الاتحاد الإفريقي…).

  وينفرد الميثاق المنشئ بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن بقية المعاهدات الدولية، ذلك أنه ينشئ لنا شخصا قانونيا جديدا له قدر من الذاتية. والجدير بالذكر هنا أن الميثاق المنشئ يعد بمثابة القانون الأسمى للمنظمة الدولية، فهو يحتل المرتبة الأولى بالنسبة لما تصدره المنظمة من قواعد تشريعية. كما يحدد هذا الميثاق الأجهزة التي تتكون منها المنظمة وهو الذي يقوم بمهمة توزيع الاختصاصات فيما بينها، وعادة ما يقوم الميثاق المنشئ بالتنصيص على الأجهزة الرئيسية، تاركا لكل جهاز سلطة إنشاء الأجهزة الفرعية اللازمة لممارسة الاختصاص الموكول له.

ويتميز كذلك الميثاق المنشئ بخصيصة عدم جواز إبداء تحفظات بشأن أحكامه إلا إذا نص الميثاق نفسه على خلاف ذلك. إن مبرر وأساس هذه الخصيصة هو الحرص على تحقيق أهداف المنظمة على أكمل وجه، وهو ما يتعارض مع طبيعة التحفظات التي تعطي للدول الحق في التحفظ على بعض المقتضيات مما سيخل بالسير العادي لعمل المنظمة إذا تم السماح بها.

  كما يثور جدل فقهي بشأن الطبيعة القانونية للميثاق المنشئ للمنظمة الدولية، بين الإتجاه الشكلي الذي ينزع إلى التأكيد على أن الميثاق المنشئ ما هو إلا معاهدة دولية بدليل خضوعه لمبدأ سلطان الإرادة، والإتجاه الموضوعي الذي يذهب إلى أن الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية له طبيعة دستورية لكونه يحدد القواعد القانونية الخاصة بالعضوية والتصويت وتكوين الأجهزة الرئيسية للمنظمة…، في حين اتجه فريق من الفقه إلى تبني معيار مزدوج قوامه أن الميثاق المنشئ يعتبر معاهدة شكلا، ودستورا من حيث الموضوع.

  ولئن كان الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية معاهدة دولية شكلا، فإنه يخضع لنفس القواعد القانونية التي تحكم إبرام المعاهدات الدولية، إذ يجب كقاعدة عامة أن تكون الدولة الطرف في هذا الإتفاق متمتعة بأهلية إبرامه، وذلك لا يمثل إشكالية بالنسبة للدول كاملة السيادة، أما الدول ناقصة السيادة فهي تتمتع بأهلية قانونية ناقصة، لذا لا يجوز لها أن تكون عضوا في منظمة ما إلا إذا كانت أهليتها الناقصة تسمح لها بالإشتراك في إبرام الميثاق المنشئ لتلك المنظمة. كما يتعين أن يكون رضاء أطراف المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية سليما غير مشوب بأي عيب من عيوب الإرادة، إضافة إلى وجوب أن يكون محل وسبب الميثاق المنشئ مشروعا بأن لا يوجد تعارض بين مضمون المعاهدة وقواعد القانون الدولي الآمرة.

  وفي حال اكتمال الشروط السابقة، يتم مناقشة المعاهدة في مؤتمر دولي يعقد لهذا الغرض عبر دراسة المشروعات التحضيرية المقترحة. وتتم الدعوة إلى المؤتمر من قبل الدولة أو الدول التي طرحت فكرة المنظمة المقترحة، كما قد تتم الدعوة من قبل منظمة دولية وذلك بهدف إنشاء منظمة دولية جديدة (كقيام المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة بالدعوة إلى المؤتمر الذي تم فيه إنشاء منظمة الصحة العالمية). وينتهي المؤتمر بإبرام الميثاق المنشئ للمنظمة وذلك بالتوقيع عليه بعد إقراره طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الموقعة في سنة 1969، ويبقى بعد ذلك التصديق على الميثاق من قبل الدول وفقا للأوضاع الدستورية الداخلية في كل دولة.

  ويعقب إبرام العقد المنشئ للمنظمة الدولية دخوله حيز التنفيذ وفقا للشروط التي تم التنصيص عليها والتي تختلف من منظمة إلى أخرى. ويتم عادة تحديد عدد معين من الدول والتي يجب أن تصادق على الميثاق قبل دخوله حيز التنفيذ، أو أيضا اشتراط مصادقة دول بعينها، أو التنصيص على شروط مجتمعة كوضع ميثاق هيئة الأمم المتحدة في المادة 110 شرطين لدخوله حيز التنفيذ أولهما مصادقة دول معينة هي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا والصين، ثم مصادقة أغلبية الدول الموقعة على الميثاق.