النظرية العامة للمنظمات الدولية

النظرية العامة للمنظمات الدولية

بواسطة - Djamel BENMERAR
Number of replies: 0

النظرية العامة للمنظمات الدولية

-تعريف المنظمة الدولية وعناصرها :

إن الاختلاف الكبير بين المنظمات الدولية، سواء من حيث مواثيقها المنشئة أو أهدافها، اختصاصاتها أو أجهزتها جعل من المتعذر الوصول إلى تعريف قانوني موحد بشأنها بحيث يكون هذا التعريف جامعا ومانعا. لذا، فجل التعاريف التي أعطيت للمنظمات الدولية تتضمن مجموعة العناصر التي تعتبر ضرورية لقيام المنظمة الدولية.

عرف أغلب فقهاء القانون الدولي المنظمة الدولية بأنها مؤسسة أو هيئة تتكون أساسا من مجموعة من الدول التي تتفق على إنشائها في معاهدة دولية وذلك بمقتضى ميثاق يحدد اختصاصاتها ويمنحها مجموعة من الأجهزة التي تمكنها من تحقيق أهدافها وتضمن لها الاستمرارية.

كما يمكن تعريف المنظمة الدولية أيضا بوصفها هيئة تضم مجموعة من الدول، من خلال اتفاق دولي، بحيث تسعى لتحقيق أغراض ومصالح مشتركة، على نحو دائم، وتتمتع هذه الهيئة بالشخصية القانونية المتميزة عن إرادة الدول الأعضاء فيها”.

ومن خلال التعريفين السابقين، يمكننا استنباط مجموع العناصر المكونة للمنظمة الدولية، والتي يمكن تحديدها كما يلي:

بالنسبة للعنصر الأول فهو يشمل الطابع الدولي، ذلك أن المنظمة الدولية تتكون كقاعدة من مجموعة من الدول، بمعنى أن العضوية فيها تكون قاصرة على الدول فقط (مع وجود بعض الإستثناءات)، أما الكيانات الأخرى التي لا يصدق عليها وصف الدولة، لا تتمتع بالحق في عضوية المنظمة الدولية. كما أن الطابع الدولي للمنظمة يضفي عليها طابعا حكوميا، وهذا هو السبب في كون أن المنظمات غير الحكومية لا تكون فيها العضوية للدول بل للأفراد.

 وإضافة إلى الطابع الدولي نجد عنصر الإتفاق الدولي، حيث يتم إنشاء المنظمة الدولية بموجب اتفاق بين الدول الأطراف فيها، وهذا يعني أن العضوية في المنظمة اختيارية، وتخضع لإرادة الدول ورضاها. ويعد هذا الإتفاق بمثابة الوثيقة المنشئة للمنظمة الدولية، ويسمى أيضا بالميثاق الذي يحدد كافة الجوانب القانونية الخاصة بالمنظمة الدولية (الأهداف، الإختصاصات، الأجهزة…)، كما أن هذا العنصر هو الذي يميز أيضا المنظمات الدولية الحكومية عن المنظمات غير الحكومية التي لا تنشأ بموجب اتفاق دولي.

كما يشترط لقيام المنظمة الدولية توافر عنصر الإستمرار أو الدوام، ولا يعني ذلك ضرورة انطباق وصف الإستمرارية على كل فروع المنظمة، ولكن يقصد به أن تمارس المنظمة كوحدة قانونية متكاملة اختصاصاتها بصفة مستمرة. ويميز هذا العنصر المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي، فإذا كان المؤتمر الدولي ينعقد لبحث موضوع معين ثم ينقضي وجوده بعد الإنتهاء من التداول بشأن ذلك الموضوع، فإنه لا يوجد توقيت محدد لإنهاء وجود المنظمة الدولية في ميثاقها المنشئ.

وإضافة إلى ما سبق، يعد عنصر الإرادة الذاتية من أهم العناصر التي تميز المنظمة الدولية عن غيرها، فالمؤتمر الدولي باعتباره تجمعا دوليا لا يتمتع بإرادة مستقلة عن إرادة الدول المشاركة فيه. أما في حالة المنظمة الدولية، فهي تتمتع بشخصية قانونية خاصة ومستقلة عن إرادة الدول المنشئة لها، ولهذا نجد بأن القرارات أو التوصيات التي تصدر عن الدول الأعضاء في المنظمة، سواء كانت بالأغلبية أم بالإجماع، تنسب إلى المنظمة الدولية وليس إلى الدول الأعضاء فيها.

2- تطور نشأة المنظمات الدولية:

إن فكرة المنظمات الدولية كآلية للتنظيم الدولي وتنسيق المصالح المتبادلة بين الدول ليست حديثة في جوهرها، بل تعود في جذورها إلى القدم، إذ شكل ظهور الدولة الحديثة ذات التنظيم المركزي ابتداء من القرن 16 مفترقا حاسما في سبيل بلورة فكرة التنظيم الدولي لغرض إرساء علاقات متوازنة بين الدول. فمنذ أن بدأت فكرة الدولة بمفهومها الحديث تظهر وتستقر، والصراعات بين هذه الدول قائمة، ذلك أن التطور العلمي الذي شمل مختلف الميادين ومنها الميدان العسكري أدى بالمحصلة إلى ازدياد خطر الحرب حيث اتسع نطاقها ليشمل مختلف بقاع العالم.

وبناء على ذلك، أخذت الدول المختلفة في السعي إلى إيجاد حلول توافقية لما بينها من تنافس وصراع بحيث توفر عليها ويلات الحرب وتحفظ بينها نوعا من التوازن المقبول. ومن بين تلك الوسائل التي لجأت إليها الدول نجد آلية عقد المؤتمرات الدولية للتفاوض المباشر فيما بينها من أجل تسوية خلافاتها العالقة، كما يعد إنشاء اللجان الدولية خطوة مهمة في طريق نشأة المنظمات الدولية، ويذهب جانب من الفقه إلى أن هذه اللجان لم تظهر إلا كوسيلة لتعزيز وضمان حرية الملاحة الدولية، مثل لجنة الرون التي أنشئت سنة 1814.

وعليه، فإن إرهاصات نشأة المنظمات الدولية بشكلها الحديث لم تبدأ قبل القرن 19 الذي عرف ثورة صناعية وعلمية تمثلت في تطور هائل لوسائل النقل والاتصال مما أدى إلى ازدياد كبير في حجم المبادلات التجارية بين الدول، فضلا عن ظهور احتياجات جديدة لم يعد بإمكان الدول الاستجابة لها بمفردها، وهو ما جعل فكرة إنشاء منظمات دولية لتنسيق المصالح المشتركة بين الدول أكثر راهنية وإلحاحا.

ولهذا، فقد شهد القرن 19 ظهور أولى المنظمات الدولية في شكل مؤسسات لها طابع الإستمرارية لتوفرها على أجهزة دائمة وإن كانت تفتقر إلى الشخصية القانونية، فعلى سبيل المثال، عرف هذا القرن إنشاء الإتحادات الدولية الإدارية كوسيلة لتنظيم بعض المرافق ذات الصلة بالمصالح الدولية المشتركة ومن بينها اتحاد التلغراف العالمي الذي أنشئ بمقتضى اتفاقية باريس لسنة 1865، واتحاد البريد العالمي الذي تم إنشاؤه بموجب اتفاقية برلين لسنة 1874، وهو ما مهد لظهور أشكال جديدة من التنظيم الدولي سيما في القرن العشرين.

وتأسيسا على ذلك، يمكن اعتبار بداية القرن 20 لحظة فارقة في مسار تطور نشأة المنظمات الدولية، إذ شهدت تلك الفترة نزاعات خطيرة بين القوى الإستعمارية على مناطق النفوذ وقد عزز قيام الحرب العالمية الأولى (1814-1818) تلك القناعة، مما أبرز بوضوح محدودية وعدم كفاية الوسائل التي كانت متبعة والمتمثلة في المؤتمرات والمعاهدات متعددة الأطراف في الحد من الفوضى الناجمة عن النزاعات الدولية وفي تنسيق التعاون الدولي الذي أصبح ملحا أكثر فأكثر.

وعليه، ستلجأ الدول إلى خلق ميكانيزمات جديدة تمثلت في مؤسسات للتعاون الدائم أخذت شكل منظمات لها إرادة مستقلة عن إرادة الدول المنشئة لها، وحددت مهمتها في تحقيق أهداف ومصالح مشتركة بإدماج جل دول العالم في نظام موحد. وهكذا، فقد أنشئت في عام 1919 أول منظمة ذات توجه عالمي وطابع سياسي عصبة الأمم بمبادرة من الرئيس الأمريكي “ودرو ويلسون”، الأمر الذي أدى إلى ضرورة تنازل الدول عن بعض حقوق السيادة التقليدية، ووضع القيود على حق اللجوء إلى الحرب لتسوية الخلافات البينية، فضلا عن ظهور مبدأ الأمن الجماعي.

غير أن فشل وعجز منظمة عصبة الأمم عن تحقيق أهدافها، أفضى إلى تأسيس هيئة الأمم المتحدة غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، فقد استفادت الدول من تجربة فشل عصبة الأمم بإصرارها على تجاوز الأخطاء التي أدت إلى ذلك الفشل، بحيث تكونت لديها القناعة بأن الأمن والسلم الدولي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال العمل الجماعي والتعاون المشترك وليس عبر العودة إلى إطار العلاقات الدولية الكلاسيكية والتحصن وراء القومية المتطرفة.

كما عرفت تلك المرحلة أيضا ظهور العديد من المنظمات الدولية الأخرى، سواء منها ذات التوجه العالمي أو الإقليمي، والتي لم تعد قاصرة على المهام الكلاسيكية للمنظمات الدولية والمتمثلة في حفظ الأمن والسلم الدوليين بقدر ما أصبحت فضاء لتنسيق المصالح المشتركة بين الدول التي تغطي كافة مجالات الإهتمام الحيوية (الإقتصادية، التجارية، الثقافية، البيئية…)، مما جعلها أهم خصائص الحياة الدولية المعاصرة باعتبارها الشكل الجديد للتنظيم السياسي للمجتمع الدولي الذي ظل منذ نشوء الدولة في القرن 16 وإلى حدود القرن 20 مجتمع دول فقط.