مخطط الموضوع

  • النص

    - مفهوم النص في الثقافة العربية:

    أ‌- المدلول اللغوي:

          يلاحظ المتتبع لكلمة "نص" في المعاجم العربية أنها تحيل على معنى الظهور والوضوح والارتفاع وغاية الشيء ومنتهاه. فقد ذكر ابن منظور في معجم "لسان العرب" أن "النص: رفْعُك الشَّيْءَ. نَصَّ الْحَدِيثَ يَنُصُّه نَصًّا: رفَعَه. وَكُلُّ مَا أُظْهِرَ، فَقَدْ نُصَّ... وأَصل النَّصّ أَقصى الشَّيْءِ وغايتُه". وقال الزبيدي في "تاج العروس" "أَصْلُ النَّصِّ: رَفْعُك لِلشَّيْءِ وإظهاره فهو من الرفع والظهور ومنه المنصة.... نَصَّ الشَّيْءَ (يَنُصُّهُ) نَصّاً: حَرَّكَهُ ". يقول أيضا "النَّصُّ: الإِسْنَادُ إِلى الرَّئِيسِ الأَكبَر. والنَّصُّ: التَّوقِيفُ. والنَّصُّ: التَّعْيِينُ على شَيْءٍ مَا، وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ، من النَّصِّ بمَعْنَى الرَّفْعِ والظُّهُورِ".

         يتضح لنا من هذه التحديدات اللغوية أن كلمة "النص" لها دلالات كثيرة في اللغة العربية، منها: الغاية والمنتهى، والتحريك. والتعيين والتوقيف. إلا أن هذه المعاني المختلفة ما هي إلا مجازات، فالمعنى الأصلي هو الرفع والظهور والوضوح والانتظام.

    ب- المدلول الاصطلاحي للنص:

         لم يستعمل النقاد والبلاغيون العرب مصطلح النص، وإنما نجد علماء الأصول ـ وهم الأصوليون أي: المشتغلون على أصول الفقه ـ قد استعملوا مصطلح النص؛ فهو يدل عندهم على "مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا، قيل ما لَا يحْتَمل التَّأْوِيل". أما عند أهل الحديث فقد جاء بمعنى الإسناد، والتعيين، والتحديد، فيقولون نص عليه في كذا. ونجده عند الفقهاء بمعنى الدليل الشرعي كالقرآن، والسنة، ومنه قولهم: "لا اجتهاد مع النص".

     يعد الشافعي من الأصوليين المؤسسين لمفهوم النص في الثقافة العربية إذ يعرف النص بأنه "المستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل". وقد أشار أبو حامد الغزالي إلى الدلالة الاصطلاحية للنص بقوله إنّ النص هو اللفظ المفيد الذي لا يتطرق إليه احتمال"، وهو بذلك "مالا يتطرق إليه التأويل" أو هو " الذي لا يحتمل التأويل"، وقد حصر ابن حزم الأندلسي دلالة النص بما جاء في القرآن والحديث، فيرى أن النص هو "اللفظ الوارد في القرآن والسنة مبينا لاحكام الاشياء، ومراتبها، وهو الظاهر، وهو ما يقتضيه اللفظ الوارد في اللغة المنطوق بها". فالنص واضح ظاهر، والظاهر لا يحتاج إلى تأويل.

        يعنى علم الأصول باستنباط أدلة الأحكام التي يترتب عنها نظام الحقوق والواجبات والفرائض والعبادات، ولتحقيق ذلك وجب التقيّد بإجراءات منهجية صارمة، لأنه إذا اختلف في دلالة دليل من أدلّة الأحكام بسبب غموض أو إبهام وجه الحكم المراد منه "وكل هذا استدعى عناية قصوى، في طرائق استنباط الأحكام من الأدلة بما ينفي عنها، أي احتمال يقوم على تأويل." لأن التأويل سيؤدي إلى خلاف في نظام الحقوق والواجبات، والخلاف سيؤدي إلى أمر خطير هو الفتنة.

          هذا رأي علماء الأصول، أما المتصوفة فيقولون بندرة النص، وهذا يعني أن كل كلام أو خطاب قابل للتأويل؛ إذ يقول ابن عربي: "فما في الكون كلام لايُتأوَّل". ويقرّ السيوطي بالتأويل معتلا بالقرائن الحالية والمقالية. وقد تأوّلت بعض الفرق الإسلامية آيات الصفات، فوقعت في مزالق كثيرة، ومن الذين فتحوا باب التأويل على مصراعيه فرقة الإسماعيلية أو الباطنية؛ وهم من غلاة الشيعة الذين يرون أن النص القرآني يحمل تأويلا باطنيا غير تأويله الظاهر، وقد وصل الأمر إلى أن قال بعضهم بالتأويل الفردي للقرآن. ولنفكر ما الذي سيحدث لو تأوّل كل واحد منا القرآن، أليس هذا الخلاف الذي أراد الأصوليون درأه؟

          نلاحظ أن العلاقة بين الدلالة اللغوية للنص والدلالة الاصطلاحية كما تحددت في حقل الأصول تبدو وطيدة، فالنص هو الواضح البيّن، الظاهر، ومن ثمّ فهو لا يحتاج إلى تأويل. لكن هذه الدلالة لم تنتقل إلى حقل النقد والبلاغة، إذ لم يستعمل النقاد والبلاغيون العرب القدامى مصطلح النص، ولكننا نجدهم قد استعملوا مصطلحات أخرى للدلالة على النص بالمعني الذي نعرفه اليوم، شأن البيان والنظم والبلاغة وغيرها.

          أما في النقد العربي الحديث؛ فإننا نجد مجموعة من التعريفات التي سعت لتحديد مفهوم اصطلاحي للنص، وقد عرّف "طه عبد الرحمان" النص بأنه "بناء يتركب من عدد من الجمل السليمة مرتبطة فيما بينها بعدد من العلاقات. وقد تربط هذه العلاقات بين جملتين أو بين أكثر من جملتين". ويرى "سعيد يقطين" أنّ النص: "بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية)، ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة".

         أما الناقد محمد عزام فيعرّف النص الأدبي بأنه "وحدات لغوية، ذات وظيفة تواصلية - دلالية، تحكمها مبادئ أدبية، وتنتجها ذات فردية أو جماعية". فالنص إذن؛ بنية لسانية ذات دلالة، وذات بعد تواصلي، تحقق الأدبية من خلال مجموعة من المبادئ، كالانسجام والاتساق وتنتجه ذوات متعددة سواء قبل الكتابة أو أثناءها أو بعدها.

     وما يمكن ملاحظته حول هذه التعريفات هوهيمنة المرجعيات الغربية، ذلك أن أصحابها قد تأثروا في صياغتهم لمفهوم النص باتجاهات ونظريات لسانية ونقدية غربية وفي مقدمتها الاتجاه اللساني والبنيوي والسيميائي.

         ويرى محمد مفتاح أن النص "وحدات لغوية طبيعية منضدة متسقة منسجمة"، ويعرفه أيضا من خلال بعض المقومات الأساسية، فالنص عنده مدونة كلامية، وحدث تواصلي، وتفاعلي، وله بداية ونهاية، أي أنّه مغلق كتابيا، لكنه توالدي معنويا لأنه "متولد من أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية...وتتناسل منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له".

    2/ مفهوم النص في الثقافة الغربية:

    أ/ النص لغة:

          تحيل الدلالة اللغوية لكلمة نص (Texte) في الثقافة الغربية على النسيج، وتحمل هذه الكلمة الدلالة نفسها في أصلها اللاتيني (Textus) ، وقد ارتبطت هذه الكلمة في معناها الحديث بالحقل الصناعي المادي: النسيج الاقتصاديي، نسيج الخلايا... ثم نقل هذا المعنى إلى نسيج النص، إذ اعتُبر النص نسجًا من الكلمات". وترتبط كلمة النسيج بعدة دلالات قريبة من معنى النص اصطلاحاً ومنها: " دقة التنظيم، وبراعة الصنع، والجهد، والقصد، والكمال والاستواء". وهكذا فالنص في اللغات الأجنبية مشتق من الاستخدام الاستعاري في اللاتينية لمعاني الحياكة والنسيج.

     ب / النص اصطلاحا:

          يرتبط المدلول اللغوي لكلمة نص في اللغات الأجنبية ارتباطا وثيقا بمدلولها الاصطلاحي، إذ هناك قول منسوب لجماعة"تل كال" الفرنسية   Tel quel)) يؤكد ذلك: "النص ليس خيطا في قطعة القماش، بل هو قطعة القماش المكونة من خيوط كثيرة". ومن أشهر التعريفات اللسانية لمصطلح النص: هو "سلسلة من الكلمات، تؤلف تعبيرا حقيقيا في اللغة"، أو هو "كل فقرة ملفوظة أو مكتوبة مهما كان طولها، شرط تشكلها ضمن وحدة كلية متجانسة، فالنص وحدة لغوية في حالة استعمال."

        ويرى الباحث الروسي لوتمان Lotman  أن النص يعتمد على ثلاثة مكونات: الأول؛ هو التعبير: أي الجانب اللغوي. والثاني: التحديد؛ أي أن للنص دلالة لا تقبل التجزئة. "فهو يحقق دلالة ثقافية محددة، وينقل دلالتها الكاملة". وأما الثالث فهو الخاصية البنيوية، وتعني أن النص بنية منظمة وليس مجرد متوالية من العلامات، بل التنظيم الداخلي ضروي للنص وأساس في تكوينه.

        ويرتبط النص عند العالم اللساني هلمسليف (Louis Hjelmslev) بالملفوظ اللغوي المحكي أو المكتوب، طويلا كان أو قصيرا " فعبارة stop أي: قف هي في نظر هلمسليف نص". وأما تودوروف فيرى أنّ "النّص إنتاج لغوي منغلق على ذاته، ومستقل بدلالاته، وقد يكون جملة، أو كتاباً بأكمله". وهذا الإنتاج اللغوي لا شك له وجهان، وجه اللفظ ووجه المعنى، ولا يمكن تعريف النص من خلال اللفظ فقط، بل هناك من أعطى الأولوية للمعنى على اللفظ، حيث يكون النص "وحدة دلالية، وليست الجمل إلا الوسيلة التي يتحقق بها النص". 

         أما هاليداي ( M . Halliday) ورقية حسن (R. Hassan ) فقد أكّدا في كتابهما (الاتساق في الإنجليزية) 1976 على أن النصّ "وحدة لغوية في طور الاستعمال، وهو لا يتعلق بالجمل، وإنما يتحقق بواسطتها. فهما يركزان على الوحدة والانسجام في النصّ من خلال الإشارة إلى كونه وحدة دلالية"، ولا يهتمان بالطول، حيث يقولان: "النص يمكن أن يكون له أي طول.... وبعض النصوص تتشابه في الحقيقة من حيث إنها يمكن أن تكون أقل من جملة واحدة في التركيب النحوي مثل: التحذيرات، العناوين، الإعلانات، الإهداءات". وفي السياق نفسه يؤكد دريسلر (Derssler ) أنّ "النص هو القول المكتفي بذاته والمكتمل في دلالته"، فهو لا يعتمد على الطول في تحديد النص بل الاكتمال والاستقلال، وهذا يعني أن النص قد يكون كلمة، أو جملة، أو مجموعة من الجمل، لكن بشرط التعالق فيما بينها، فكل متتالية من الجمل تشكل نصا شريطة أن تكون بين هذه الجمل علاقات، أو على الأصح أن تكون بين عناصر هذه الجمل علاقات.

    و يرى روبرت دي بوجراند ( Beaugrande Robert De ) أن النص قد يتوسع، ليشمل أي علامة لغوية دالة، سواء مكتوبة أو منطوقة أو إشارة مرئية كلغة الإشارات. فالنص في نظره قد "يتألف من عناصر ليس لها ما للجملة من الشروط (مثلا علامات الطرق والإعلان والبرقيات ونحوها".

          تتعدد تعريفات النص حسب التوجهات المعرفية والنظرية للباحثين واختلاف مقارباتهم، بل قد تتعدد تعريفات الباحث الواحد حسب توجهاته النقدية المختلفة، فرولان بارت Barthes    Roland مثلاً "تعددت تعريفاته للنص الأدبي بتعدد المراحل النقدية التي مرّ بها، منذ المرحلة الاجتماعية، وحتى المرحلة الحرة، مروراً بالبنيوية، والسيميائية". وهذا التنوع في تعريف النص "يدل على عدم استقرار المفهوم من جهة وتباين طرقه الإجرائية في حقول معرفية مختلفة من جهة أخرى"، بل إن مسألة وجود تعريف جامع مانع للنص مسألة غير منطقية من جهة التصور اللغوي. ويؤكد ذلك الاختلاف بين اللسانسين أو النقاد الذين ينتمون إلى مدارس مختلفة، حول حدود المصطلحات التي ترتكز عليها بحوثهم. 

    * أهم المراجع:

    1.     أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ، ج7.

    2.     روبرت دي بوجراند، النص والخطاب والاجراء، ترجمة تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 1998.

    3.     رولان بارت، درس السيمولوجيا، ترجمة: بنعبدالعالي، دار توبقال للنشر، ط3، 1993.

    4.     سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي: النص و السياق، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/ بيروت، ط2، 2001.

    5.     طه عبد الرحمان، في أصول الحوار و تجديد علم الكلام، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2000.

    6.     فان دايك، علم النص: مدخل متداخل الاختصاصات، ترجمة: سعيد بحيري، دار القاهرة للكتاب، ط1، 2001.

    7.     محمد خطابي، لسانيات النص: مدخل إلى انسجام الخطاب،، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1، 1991.

    8.     محمد عزام، النص الغائب: تجليات التناص في الشعر العربي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001.

    9.     محمد مفتاح، المفاهيم معالم، نحو تأويل واقعي، المركز الثقافي العربي، الرباط، ط1، 1999.

     


  • الموضوع 2

  • الموضوع 3

  • الموضوع 4