تطبيقات جماليات السرد العربي القديم
مخطط الموضوع
-
مادة جماليات السرد العربي القديم، تخصص دراسات أدبية، السنة الثالثة
نصوص سردية للتحليل (تطبيقات)، الفوج 1، 2
الأستاذ: محمد مداور
البريد الإلكتروني: midaouar.med@gmail.com
السؤال:
اختر نصين من أربعة نصوص، وحللهما كاشفا عن أبرز جمالياتهما، وهذا بناء على ما تلقيته من معارف نظرية عن بعد، واستثمار ما درسته حضوريا، وذلك في بحث لا يقلّ عن خمس (5) صفحات. علما أن نقطة هذا العمل هي التي تحتسب في الامتحان التطبيقي.
ملاحظة: ترسل الإجابة إلى البريد الإلكتروني للأستاذ محمد مداور المشار إليه أعلاه، في أجل أقصاه: 14/ 01/ 2021.
النص الأول: وقوف رجل على قبر عدوه[1]
حدثني رجل من أصحابنا، قال: شهدتُ رجلا في طريق مكة معتكفا على قبر، وهو يردّد شيئا ودموعه تكفّ من لحيته، فدنوتُ إليه لأسمع ما يقول، فجعلت العبرة تحول بينه وبين الإبانة. فقلت له: ياهذا! فرفع رأسه إليّ وكأنما هبّ من رقدة، فقال: ما تشاء؟ فقلت أعَلى ابنك تبكي؟ قال: لا، قلت: فعلى أبيك؟ قال: لا، ولا على نسيب أو صديق، ولكن على من هو أخص منهما، قلت: أوَيكونُ أحدٌ أخص ممن ذكرت؟ قال: نعم، من أخبرك عنه، إنّ هذا المدفون كان عدوا لي من كل باب: يسعى علي في نفسي، وفي مالي، وفي ولدي، فخرج إلى الصيد أيأسَ ما كنت من عطبه، وأكمل ما كان من صحته، فرمى ضبيا فأقصده، فذهب ليأخذه، فإذا هو قد أنفذه حتى نجمَ سهمُه من صفحة الظبي، فعثر فتلقّى بفؤاده ظٌبّةَ السهم، فلحقه أولياؤه فانتزعوا السهم، وهو والظبي ميتان، فنمى إليّ خبره، فأسرعت إلى قبره مغتبطا بفقده، فإني لضاحك السن، إذ وقعت عيني على صخرة، فرأيت عليها كتابا، فهلمّ فاقرأه. وأومأ إلى الصخرة، فإذا عليها:
وما نحنُ إلا مثلُهم غيرَ أنّنا أقَمنا قليلا بعدَهم وتقَدّموا
قلت أشهد أنك تبكي على من بكاؤك عليه أحق من النسيب.
النص الثاني:[2]
«روى الشيخ صفي الدين رضي الله عنه في رسالته أنه قال: كان الشيخ أبو عبد الله محمد الأزهري العجمي رضي الله عنه كثير السياحات صاحب آيات عظيمات وحكايات تضيق عنها العقول، قال تلميذه الشيخ الكبير أبو الحسن بن الدّقاق رضي الله عنه: أدخلني الشيخ محمد العجمي على ثلاثمائة وستين عالما غير عالم السموات والأرض، قال ووصل بي إلى جبل قاف وآراني الحية الدائرة بالجبل ورأسها على ذنبها وهي خضراء. قال: وكان الشيخ إذا مشى بي إلى أمرٍ خارق أوطى الأرض أبقى غائباً عن حسي المعهود. وخرجنا من دمشق وأنا بصحبته إلى أن وصلنا طبرية ووقفنا على قبر سليمان عليه الصلاة والسلام فقلت: يا سيدي هذا قبر سليمان عليه السلام، قال هكذا يقال. ثم مشى وأنا خلفه محمول به إلى أن أشرفنا على بناء مهول، وإذا نحن بأقوام تلقوا الشيخ وسلموا عليه وتبركوا بقدومه ثم مشوا قدامه فوجدت منهم وحشة فالتفت الشيخ إليّ وقال: يا عليّ احفظ نفسك واشتغل بي ولا تشتغل بمن تراه، فهؤلاء جان ونحن قادمون على قبر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام فلما وصلنا إلى البنيان تلقته طائفةٌ أخرى، وأُدخلوه البناء وهو صورة قصر عظيم والشيخ يمشي وأنا خلفه وإذا في صدر المكان رجل قائم عليه هيبة عظيمة ونور وفي يده عصا فقال الشيخ لي هذا سليمان ثم تقدّم وقبّل يده وفي إحدى أصابعه الخاتم، ثم تأخر فأخذه جماعة من الجن خدام سليمان عليه السلام وذهبوا به إلى موضع وقدموا ضيافته طعاما فأكل الشيخ وأكلت معه ثم ذهبوا يفرجونه على ذخائر سليمان عليه الصلاة والسلام، فأتوا به إلى البساط فوقف عليه فجاءت ريح ففرشته حتى رآه ثم جاؤوا به على عرش بلقيس فرآه إلى أن استكمل ذخائر سليمان عليه الصلاة والسلام ثمّ مرّ على مغارة دوي مزعج ورائحة منكرة، قالوا له: يا سيدي هذا سجنُ إبليس، وهو هنا في هذه المغارة منذ زمن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام. فلما أراد الشيخ الانصراف، وضعوا له سريرا وأشار الشيخ إليّ فوضعوا لي سريرا آخر فلما جلسنا عليهما ارتفعا بنا في الهواء لا نبصر من يحملهما ومرّا بنا في الهواء فوق بحر حتى انتهينا إلى مكان، فلما وصلناه حطّ بنا السريران إلى الأرض فنزلنا عنهما ثمّ ارتفعا في الهواء ورجعا فمشى الشيخ وأنا خلفه ساعة وإذا نحن بدمشق قد بدت.»
النص الثالث: المقامة البغدادية. من كتاب مقامات بديع الزمان الهمذاني.
حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو زيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا زيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:
أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ *** لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ
وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ *** فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ
النص الرابع:[3]
« قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل، فاضرب لي مثل الرجل العجلان في أمره من غير رويّة ولا نظر في العواقب.
قال الفيلسوف: إنّه من لم يكن متثبتا لم يزل نادما، ويصير أمره إلى ما صار إليه الناسك من قتل ابن عرس وقد كان له ودودا. قال الملك: وكيف كان ذلك؟
قال الفيلسوف: زعموا أنّ ناسكا من النساك كان بأرض جرجان، وكانت له امرأة صالحة لها معه صحبة، فمكثا زمانا لم يرزقا ولدا. ثم حملت بعد الإياس، فسّرت المرأة وسرّ الناسك بذلك، وحمد الله على ذلك وسأله أن يكون الحمل ذكرا. فقال لزوجته: أبشري فإني أرجو أن يكون غلاما فيه لنا منافع وقرّة عين، أختار له أحسن الأسماء، وأحضر له جميع المؤدبين. فقالت المرأة: ما يحملك أيها الرجل على أن تتكلم بما لا تدري، أيكون أم لا؟ ومن فعل ذلك أصابه ما أصاب الناسك الذي أهرق على رأسه السمن والعسل. قال لها: وكيف كان ذلك؟
قالت: زعموا أنّ ناسكا كان يجري عليه من بيت رجل تاجر في كلّ يوم رزق من السمن والعسل، وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي، ويجعله في جرّة، فيعلّقها في وتد ناحية البيت حتى امتلأت. فبينما الناسك ذات يوم مستلق على ظهره، والعكازة في يده، والجرّة معلّقة فوق رأسه، تفكّر في غلاء السمن والعسل، فقال: سأبيع ما في هذه الجرّة بدينار، وأشتر به عشرة أعنز، فيحبلن ويلدن كل خمسة أشهر مرّة، ولا تلبث إلا قليلا حتى تصير معزا كثيرا إذا ولدت أولادها. ثمّ حرّر على هذا النحو بسنين، فوجد ذلك أكثر من أربعمائة عنز، فقال أنا أشتري بها مئة من البقر، بكل أربعة أعنز ثورا أو بقرة، واشتري أرضا وبذرا وأستأجر أكرةً، وأزرع على الثيران وأنتفع بألبان الإناث ونتائجها، فلا تأتي عليّ خمس سنين إلا وقد أصبت من الزرع مالا كثير، فأبني بيتا فاخرا وأشتري إماءً وعبيدا وأتزوج امرأة صالحة جميلة، فتحمل فتأتي بغلام سريٍّ نجيب فأختار له أحسن الأسماء، فإذا ترعرع أدّبته وأحسنتُ تأديبه وأشدُدُ عليه في ذلك، فإن قبل مني وإلا ضربته بهذه العكازة، فأشار بيده إلى الجرّة فكسرها فسال ما فيها على وجهه.
وإنما ضربت لكَ هذا المثل لكي لا تعجل بذكر مالا ينبغي ذكره، وما تدري أيصح أم لا يصحّ. ولكن ادع ربّك وتوسل إليه، وتوكّل عليه...»
[1] ـ أبو العباس المبرد : الكامل في اللغة والأدب، ج2، تح: جمعة الحسن، دار المعرفة، بيروت، ط3، 2010، ص780.
[2] ـ عفيف الدين اليافعي: روض الرياحين في حكايات الصالحين، تح: محمد عزت، المكتبة التوفيقية، بلد النشر غير مذكور، د/ط، د/ت، ص355، 356.
[3] ـ ابن المقفع: كليلة ودمنة، (باب الناسك وابن عرس)، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط2، 2009، ص168، 169.
-
-
-