Aperçu des sections

  • Section 1

    الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية           وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 

      جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة           كلية الآداب واللغات                                قســـــــــــــم اللغـــــــــــة والأدب العــــــــــربــــــي                السنة الجامعية : 2020/2021                  مقياس : جماليات السرد العربي القديم            نوع الحصة : محاضرة  

    الفئة المستهدفة : السنة الثالثة ليسانس           التخصص : دراسات أدبية  

     المدة المخصصة للحصة : ساعة ونصف        السداســـــــــي : الخامس

                             الأستاذ : مداور محمد             

    المحاضرة الثالثة (3): السرد في كتب السيّر والتراجم

         عُني العرب في مروياتهم السردية بالتأريخ لمشاهيرهم وأبطالهم ونقل أخبار حياتهم وسلكوا في ذلك طرائق مختلفة، ممّا أدى إلى نشأة خطاب سردي يتمحور حول الشخصية، ومن ذلك سيرة عنترة بن شداد والزير سالم، وبمجيء الإسلام تركّز الاهتمام حول شخصية الرسول (ص)، حيث اهتمّ الرواة بنقل أخباره ضمن ما عرف بالسيرة النبوية. ثم انتقل هذا الاهتمام إلى أعلام الأمة من خلفاء وعلماء ومحدّثين وشيوخ وزهاد وشعراء وقصّاص حيث شكّلت أخبارهم مادة سردية تضمّنتها كتب التراجم والطبقات "التي يمكن أن تعدّ بحقّ أغزر نوع من المؤلّفات عند المسلمين." وقد كان الاهتمام بالأنساب الذي طبع الحياة الثقافية العربية دور كبير في توجيه التأليف في هذا المجال.

    1/ مفهوم السيرة:

         يحيل لفظ السيرة دلاليا على الطريقة، وتقترن الطريقة بالسنّة ومن معانيها الأساسية السلوك المحمود أو الطريقة المستقيمة. كما تدلّ على الحديث، فيقال: سيّر سيرةً أي حدّث حديث الأوائل. فالسيرة بهذا المعني تشير إلى سرد الأخبار، وقد ارتبطت بالمجال الديني للدلالة على الترجمة المأثورة لحياة النبي (ص). إذ عُدّت السيرة جزءا من الحديث تخضع لأحكام الإسناد خضوعا دقيقا حيث يمنع رواتها من التفسير والتحليل.

          ارتبطت السيرة بالمغازي الدّالة على مناقب الغزاة والفاتحين. وأبرز من ألّف في أخبار الفتوح الإسلامية الواقدي(207ه) وأبو الحسن المدائني (ت 215ه). يركّز الرواة في كتب المغازي والفتوح على مآثر القادة والجنود في الحرب، وكذا سرد كبريات الأحداث وتسجيل انتصارات جيش المسلمين بشيء من التفصيل، وهنا تبرز غلبة الجانب الموضوعي على الجانب العاطفي مما يطبع السرد بطابع ملحمي أو بطولي. بينما يبدو المسار الدرامي في المغازي ضعيفا، إذ يقلّ اهتمام الرواة بنقل ما يتعلق بمآسي الشخصيات(الموت، الحزن...).

         لا يقتصر تحقيق البطولة في المغازي المروية على جانب القوى البدنية للشخصيات/الأبطال، بل يتعداه إلى قواهم المعنوية وأخلاقهم النبيلة، فهي تقوم على شجاعة البطل وقوته الروحية المستمدة من كونه يدافع عن الحق ويسعى لإقامة النظام، ويؤدي رسالة سماوية مقدسة.

         يتداخل مصطلح "سيرة" مع مصطلح "ترجمة" في الاستعمال لدرجة أنهما يبدوان وكأنهما مترادفان، لكنّ السيرة تحيل في الأصل على المرويات والمدوّنات التي عنيت بشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. أمّا الترجمة فتحيل على خلاصات موجزة للتعريف بأعلام الحديث والأدب واللغة والطب وغيرهم. فقد "جرت عادة المؤرخين أن يسمّوا الترجمة بهذا الاسم حين لا يطول نفسُ الكاتب فيها، فإذا ما طال النفس وطالت الترجمة سُميّت سيرة." لكنّ مفهوم السيرة قد توسّع بعد ذلك ليشمل أشكالا أخرى تنضوي تحته باعتباره جنسا سرديا؛ فهناك السيرة الموضوعية والسيرة الذاتية والسيرة الشعبية كما سنوضح بعد قليل.

         تضمّ سيرة الرسول (ص) مجموعة من الأخبار والمرويات السردية التي عُنيت بمراحل حياته المختلفة، وهي ذات أهمية اعتبارية ودينية وتاريخية من رواتها الأوائل: عروة بن الزبير(94ه) وأبّان بن عثمان(105ه) والزهري (124ه) وموسى بن عقبة (141ه) وإلى هذين الأخيرين تعود بلورة الإطار العام للسيرة شفويا، وهي المادة التي وصلت إلى ابن إسحاق المتوفى عام 151ه والذي له الفضل في تثبيت مادة السيرة بالصورة التي لا تختلف كثيرا عما وصلت إلينا بتهذيب ابن هشام المتوفى سنة 213ه. حيث استقرت السيرة النبوية مدوّنة في مطلع القرن الثالث الهجري. واستقامت بشكل منتظم في مؤلفات الواقدي (206ه) وابن سعد ( 231ه). ثمّ لم يلبث أن انبثق "التاريخ" عن الكتابة  في السيّر والمغازي.

    2/ أدب التراجم: عدّ كثيرون التراجم جزءا من التواريخ غير أنّ السرد فيها يتمحور حول الشخصية بالدرجة الأولى. وتتحقق أدبية هذه النصوص عن طريق المنظور الذاتي للمؤلف الذي يمنح الشخصية المترجمة - من خلال وجهة نظره- طابعا ذاتيا وأدبيا كما أن أسلوب التعبير قد يطبع التعريف بسمات أدبية، فأدب التراجم يتأرجح "بين التوثيق والتعبير فالهدف التعريفي يحول في كثير من الأحيان دون الارتفاع بالمستوى التخييلي إلى درجته التمثيلية الأدبية... [إنّه أدب استعادي] تجري فيه عملية بناء صورة للشخصية استنادا إلى سلسلة متضاربة أحيانا من المرويات." أي أنّ الأحداث في أدب التراجم تفتقر إلى الحبكة الفنية.

         كان ظهور كتب التراجم وطبقات الرجال بدافع ديني ثم انتقل هذا التأثير إلى الأدب وشتى حقول المعرفة، ذلك أنّ العناية بالرجال كان يراد بها أولا خدمة الحديث الديني، بالحكم على رواته ووزنهم بأدّق الموازين. ولكن التراجم لم تبق محصورة ضمن الحقل الديني بل اتسعت مجالاتها وتنوعت موضوعاتها لتشمل الصحابة والقراء والمفسّرين والنحاة والشعراء والحكماء والمتصوّفة وغيرهم من أعيان الأمة ومشاهيرها. وتبعا لذلك تشكلت في التراث العربي مادة سردية ضخمة متنوعة يصعب حصرها، وسنذكر هنا بعض المؤلفات التي تندرج ضمن هذا المنحى: سير أعلام النبلاء وطبقات القراء المشهورين للذهبي (ت 748ه) و"أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير (630ه) و"الشعر والشعراء" لابن قتيبة (276ه) وطبقات الصوفية للسلمي(  410ه)، عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة (688ه) والطبقات الكبرى لابن سعد (230ه)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي(771ه).

         يستند مؤلّف التراجم إلى آليات وقواعد محددة تهدف إلى التعريف الموجز للشخصية المترجم لها حيث يبدأ بذكر الاسم والكنية واللقب مع ذكر تاريخ مولده إن كان معلوما، ثم يقدّم نبذة عن أخباره وآثاره الأدبية أو العلمية ثم يذكر تاريخ وفاته. وتتراوح هذه التراجم بين الإيجاز والطول، فقد تشغل أخبار المترجم له أسطرا قليلة وقد تشغل صفحات طويلة. وهذا بحسب أهمية المترجم له أو بحسب المعلومات المتوفرة عنه.

    3/ أنواع السير:

    أ/ السير الموضوعية: وهي نوع من التراجم المطوّلة التي تشكّل كتبا بعينها، وتتمحور فيها الأخبار حول شخصية معروفة على نطاق واسع، فتفصّل في حياتهم وأعمالهم وآثارهم وتهتم بالموقع الاعتباري لهم على المستويات التاريخية والفكرية والأدبية وتقدمها بوصفها أنموذجا يحتذى في عصرها مثل: السيرة النبوية لابن هشام، وسيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي (597ه) وسيرة صلاح الدين الأيوبي لابن شداد (632ه) وسيرة أحمد بن طولون للبلوي.

    ب/السيرة الذاتية: وهو نوع من السيرة يتمحور فيه السرد حول الذات؛ حيث "يكتب المرء بنفسه تاريخ نفسه فيسجّل حوادثه وأخباره، ويسرد أعماله وآثاره." وقد عرف التراث السردي العربي هذا النوع، إذ تورد المصادر التاريخية سيرة مبكّرة لسلمان الفارسي (36ه) يسندها الخطيب البغدادي إلى ابن عباس(68ه) كما أورد ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" سيرة للواقدي(206ه) ثم توالى التأليف في هذا المجال، ومن أبرز الذين كتبوا سيرهم الذاتية نذكر: ابن سينا وأبو حامد الغزالي وابن الجوزي والسيوطي وابن حزم وابن خلدون والرازي كما اعتبر بعض الباحثين أنّ قصة "حي بن يقضان" تمثّل سيرة ذاتية لصاحبها "ابن طفيل".

         كانت السيرة الذاتية قصيرة ومختزلة في أوّل أمرها ثم راحت تتوسع بعد ذلك. لكن الاختزال ظلّ هو السمة البارزة لها، وقد عني المترجمون بمراحل التّشكل الفكري والعقائدي التي مروا بها متحاشين الحديث عن الجانب الوجداني العاطفي لذواتهم فهم يحاولون التأكيد على الجانب الاعتباري لتكوّنهم الذاتي لذلك اعتمد أغلبهم على الأسلوب المباشر، ويبدو ذلك جليا في سير ابن سينا وأبي حامد الغزالي وابن خلدون. ورغم أن ذات المؤلف تشكّل المركز الذي يتمحور حوله السرد إلا أنه يهدف إلى إعلاء البعد الاعتباري(الوظيفة الاعتبارية) على البعد الشخصي، وهو ما يختلف عن السيرة الذاتية في العصر الحديث خاصة تلك التي تتداخل مع الرواية(الرواية السير ذاتية).

    ج/ السيرة الشعبية: هي نوع من القصص الشعبي الذي "ينمو ويعيش بدافع اللاشعور الجمعي." وهنا يتمحور السرد حول التأريخ لوقائع وأحداث تتعلق بشخص أو قبيلة عرفت بالشجاعة والقوة والبطولة غيرها من الصفات التي تجعل المخيّلة الشعبية تضفي عليها طابعا عجائبيا خارقا. فالسير الشعبية ارتبطت بالعامة، وقد تشكلت كردّ فعل لتلبية احتياجات نفسية واجتماعية وتربوية وفنيّة.

         يتميّز بطل السيرة الشعبية بصفات معيّنة منذ ولادته تدل على أن هذا الطّفل سيكون له في المستقبل شأن عظيم، إنّها صفات "توحي إلى نوع من الأفعال التي يمكن أن يقوم بها على طول السيرة، أو يتمّ بواسطتها التعرّف عليه." وبعد أن يكبر يتم الاعتراف به سيدا على قومه. وهنا يبدأ صراع جديد يخوضه البطل مع شخصيات معارضة لمشروعه. فالسرد في السيرة الشعبية يصوّر مختلف مراحل حياة الشخصية وتحوّلاتها وتبعا لذلك تتميّز السيرة الشعبية بضخامة متنها إذ يصل أحيانا إلى آلاف الصفحات، وهي فردية مثل: سيرة عنترة بن شداد والزير سالم وسيف بن ذي يزن والظاهر بيبرس، أو جماعية شـأن سيرة بني هلال.

    أهم المراجع:

    1 ـ إحسان عباس: فن السيرة، دار صادر، بيروت، لبنان، ط1، 1996.

    2 ـ محمد بن مكرم  بن منظور، لسان العرب، ج4، دار صادر، بيروت، لبنان، ط2، 1992.

    3 ـ عبد الله إبراهيم، موسوعة السرد العربي، ج1.

    4ـ مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، ج1.

    5 ـ عبد الحميد بورايو، الأدب الشعبي الجزائري، دار القصبة للنشر، الجزائر، د/ط، 2007.

    6 ـ محمد عبد الغني حسن: التراجم والسير، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط3، د/ت.


  • Section 2

  • Section 3

  • Section 4