لقد تشعبت العلاقات الدولية ونمت نموا كبيرا خلال القرن
العشرين، و خاصة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بحيث لم تعد أكثر
الدول ميلا إلى العزلة واجتناب التواصل الدولي قادرة على أن تظل بمنأى عن المد
الهائل للعلاقات الدولية في شتى المجالات، و كان للتقدم العلمي و الفني الهائل- و
ما نجم عنه من ثورة حقيقية في وسائل النقل و أدوات الاتصال دوره الحاسم في هذا
النمو الكبير للعلاقات الدولية على النحو الذي جعل من العالم وحده متصلة الأجزاء
متشابكة للأطراف، بعد أن كان لأحقاب طويلة مقطع الأوصال بسبب صعوبات الانتقال و
سوء الفهم الذي ينجم عن صعوبة الاتصال بين الجماعات المختلفة في الغالب الأعم من
الحالات و تحصن الدول وراء حدودها الإقليمية أو خلف شعارات العزلة للتقليل على قدر
المستطاع من وقائع العلاقات الدولية. حيث فرض هذا النمو الكبير للعلاقات الدولية على القانون
الدولي المعاصر أوضاعا جديدة أدت إلى إزدهاره و تطوره و دفعت به إلى مجالات جديدة
تمام، و انتقلت به من قانون يهتم أساسا بالدول أو بجماعة الدول و تدور قواعده وجودا
أو عدما معها، إلى قانون للمجتمع الدولي يعمل من خلال محاور متعددة على تنظيمه
وحكم الروابط التي تنشأ في إطاره، و هو ما أدى في حقيقة الأمر إلى نمو ذلك القانون
نموا كبيرا، بحيث بات يقف اليوم في مواجهة القانون الداخلي بفروعه المختلفة يتفرع
بدوره و تتوزع قواعده بين فروع عددية، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الداخلي سواء
بسواء.