المحاضرة الرابعة/الجملة الفعلية وأنماطها

1-  الجملة لغة : جمَلَ يَجمُل ، جَمْلاً ، فهو جامِل ، والمفعول مَجْمول،جَمَلَ الحِسَابَ : جَمَعَهُ.

  جاء في لسان العرب أنها" جماعة الشيء، وأجمل الشيء جمعه بعد تفرقه، وأجمل له الحساب كذلك"[1]

يقول ابن فارس ت 395هـ: "(جمل): الجيم والميم واللام أصلان: أحدهما تجمُّع وعِظَمُ الخَلْق، والآخر حُسنٌ، فالأول قولك: أجملتُ الشيء، وهذه جُملة الشيء، وأجملتُه حصَّلتُه، وقال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان: 32]، [2] أي ينزله دفعة واحدة متجمعة بكل آياته.

وجاء في المعاجم الأخرى بهذا المعنى الذي يدل الجمع والتجمع.

2- الجملة اصطلاحا:

لقد اِختلفت الأقلام حول كلمة الجملة ومن استعملها اصطلاحا،وقد ذكروا أن المبرد هو أول من استعملها بمصطلحها الناضج المعروف عندما تناول باب الفاعل فقال:"هذا باب الفاعل،وهو رفع‘وذلك قولك/قام عبد الله،وجلس زيد ،لأنه هو والفعل جملة يحسن عليها السكوت،وتجب بها الفائدة للمخاطب فالفاعل والفعل بمنزلة الابتداء والخبر، إذا قلت: قام زيد، فهو بمنزلة قولك: القائم زيد.[3]"

إذا نظرنا إلى المثالين الذين ذكرهما نجد أن كلّ جملة منهما تامة المعنى يحسن السكوت عليها:قام عبد الله،وجلس زيد. وهذا ما يمثل الجملة عندنا حديثا لأنها تألفت من فعل لازم وفاعل.وهذا إسناد تام.

يذكر حسن عبد الغني الأسدي في كتابه مفهوم الجملة عند سيبويه أنّ المبرد أوّل من استعمل مفهوم الجملة فيقول:"يعد المبرد(285ه) الرجل الثاني في المدرسة البصرية أول من استعمل كلمة الجملة بمعناها الاصطلاحي في

كتابه المقتضب 1ج/8 وج4/347 و348..وتبعه ابن السراج(ت 316ه) فزاوج بين المصطلين ينظر:في (الأصول في النحو، ويعد أبو على الفارس(ت377ه) أول من أفرد بابا خاصا لدراسة الجملة في كتابه(المسائل العسكريات في النحو العربي) ص81،ويبدأ بعد ذلك الوعي بهذه الإشكالية الدلالية..."[4]

من خلال هذا القول تظهر الشخصيات التي كان لها السبق في مفهوم الجملة باعتبارها مصطلحا نحويا.

وقد ذكر ابن جني أن أهل هذه الصناعة(النحويين)،استعملوا ذلك التركيب الذي يمكن أن يسمى بالجمل فقال:

"أن الكلام إنما هو في لغة العرب عبارة عن الألفاظ القائمة برءوسها المستغنية عن غيرها وهي التي يسميها أهل هذه الصناعة الجمل على اختلاف تركيبها." "[5] فهو لا يفرق بين الجملة والكلام.وقد استعمله الكثير بهذا المفهوم

منهم الجرجاني (ت 471 هـ)[6] والحريري (ت516 هـ)[7]، والزمخشري (ت 538 هـ)[8]، وابن الخشاب (ت 567 هـ)[9] وأبو البقاء العكبري (ت 616 هـ)[10] ، وابن يعيش (ت 643 هـ)[11].

إلى أن جاء ابن مالك (ت 672 هـ) فبين الفرق بين الجملة والكلام، فعرف الكلام بقوله: "الكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته»[12]، ويقصد بالكلم أنه "أعم من جهة المعنى؛ لانطلاقه على المفيد وغيره، وأخص من جهة اللفظ؛ لكونه لا ينطلق على المركب من كلمتين"[13]

3- الجملة الفعلية.

الجملة الفعلية هي عبارة عن ألفاظ لها دلالتها مكتملة المعنى يحسن السكوت عليها والتي يحقق فيها الإسناد بجميع مكوناته مثل:قام سعيد(الفعل هو المسند) والفاعل هو (المسند اليه) و بهما تحقق المعنى التام الذي يمكن السكون عنه.

 

4- عناصر الجملة الفعلية:

فعل لازم وفاعل مثل:نام الولد.

أو فعل متعد وفاعل ومفعول به مثل:رتل الولد القرآن الكريم.

أو فعل متعد إلى مفعولين وفاعل:منح الأستاذ الطالب جائزة.

أو فعل مبني للمجهول ونائب فاعل:فُهِمت المحاضرةُ.

الفعل يتعبر عنصرا أساسيا في الجملة الفعلية وهو إما أن يكون ماضيا أومضارعا أوأمرا.

قال سيبويه (ت 180 ه‍) : (وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع.

فأما بناء ما مضى فذهب وسمع ومكث وحمد. و أما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً: اذهب واقتل واضرب، ومخبراً: يقتل ويذهب ويضرب ويقتل ويضرب. وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت.
فهذه الأمثلة التي أخذت من لفظ أحداث الأسماء"[14]

وعرفه اِبن السراج (ت 316 ه‍) بقوله : (الفعل ما دل على معنى وزمان ، وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل ، وقلنا : (وزمان) لنفرق بينه وبين الاسم الذي يدل على معنى فقط)[15]

وقال الزمخشري (ت 538 هـ) "والفعل ما دل على اقتران حدث بزمان. ومن خصائصه صحة دخول قد، وحرفي الاِستقبال، والجوازم، ولحوق المتصل البارز من الضمائر، وتاء التأنيث الساكنة نحو قولك: قد فعل يفعل وسيفعل وسوف يفعل ولم يفعل وفعلت ويفعلن وافعلي وفعلت"[16].

تعريف الفعل الماضي:

"هو الدال على اقتران حدث بزمان قبل زمانك. وهو مبني على الفتح. إلا أن يعترضه ما يوجب سكونه أو ضمه. فالسكون عند الإعلال ولحوق بعض الضمائر. والضم مع واو الضمير"[17].

مثل:وجد،قال ،سعى،وإذا اعترضه عارض مثل:وجدْتُ،قُلْتُ ،سعيْتُ(مبني على السكون العارض)

وإذا اسند إلى واو الجماعة يبنى على الضم مثل:وجدوا،قالوا.

الفعل الماضي وعلامته المختصة به: له علامتان هما:

1-              تاء الفاعل مثل  :(قلت) للمتكلم والمخاطب  والمخاطبة: قلتُ،قلتَ،قلتِ

2-              تاء التأنيت الساكنة أصالة مثل:قالتْ.

والفعل المضارع:" وهو ما يعتقب في صدره الهمزة والنون والتاء والياء. وذلك قولك للمخاطب أو الغائبة تفعل، وللغائب يفعل، وللمتكلم أفعل. وله إذا كان مع غيره واحداً أو جماعة نفعل. وتسمى الزوائد الأربع. ويشترك فيه الحاضر والمستقبل. واللام في قولك إن زيداً ليفعل مخلصة للحال، كالسين أو سوف للإستقبال. وبدخولهما عليه قد ضارع الأسم فأعرب بالرفع والنصب والجزم مكان الجر."[18]

المضارع وعلاماته المختصة به.

علاماته هي: السين،سوف،أدوات الجزم ما عدا لم ولماّ ،وبعض النواصب..مثل:سأكتب محاضرتي.

سوف أراجع ما درسناه، مثل: إن تعمل بجد وإخلاص تنجح ، لن أتغيب إلا لعذر.

قوله تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [19]

قال ابن يعيش[20]" هذه الحروف موضوعةٌ للاستقبال، أي: إنّها تفيد الاستقبالَ، وتقصر الفعلَ بعدها عليه. فمن ذلك السين و"سَوْفَ"، ومعناهما التنفيسُ في الزمان. فإذا دخلا على فعل مضارع، خلّصاه للاستقبال، وأزالا عنه الشياعَ الذي كان فيه، كما يفعل الألفُ واللامُ بالاسم، إلَّا أن "سَوفَ" أشدُّ تراخِيًا في الاستقبال من السين، وأبلغُ تنفيسًا.[21]

 

 

 

فعل الأمر:

كيف يصاغ الأمر من المضارع:يؤخذ من المضارع حسب الطريقة المذكورة في القول الآتي:
"وهو الذي على طريقة المضارع للفاعل المخاطب لا تخالف بصيغته صيغته، إلا أن تنزع الزائدة فتقول: في تضع ضع، وفي تضارب ضارب، وفي تدحرج دحرج، ونحوها مما أوله متحرك؛ فإن سكن زدت همزة وصل لئلا يبتدئ بالساكن، فتقول في تضرب اضرب، وفي تنطق وتستخرج انطلق واستخرج، والأصل في تكرم تأكرم كتدحرج فعلى ذلك خرج أكرم. وأما ما ليس للفاعل فإنه يؤمر بالحرف داخلاً على المضارع دخول لا ولم، كقولك لتضرب أنت، وليضرب زيد، ولأضرب أنا. وكذلك ما هو للفاعل وليس بمخاطب كقولك ليضرب زيد ولأضرب أنا.
وقد جاء قليلاً أن يؤمر الفاعل على المخاطب بالحرف ومنه قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبذلك فلتفرحوا.
وهو مبني على الوقف عند أصحابنا البصريين. وقال الكوفيون هو مجزوم باللام مضمرة وهذا خلف من القول"[22]

ذكر صاحب القول الحالات التي يكون عليها الأمر.

الأمر وعلامته: يقبل ياء المخاطبة مثل:رتلي،اقنتي....

وكذلك يقبل نون التوكيد مثل:اقرأنّ.

تطبيقات:حاول أن تؤلف نصا مستعملا أنماط الجملة الفعلية،ثم حدد عناصرها .

حدد الجمل الفعلية مما يأتي﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)﴾[23]

 

 

 



[1] - ابن منظور، لسان العرب، ، مادة (جمل)

[2] -ابن فارس، مقاييس اللغة؛  ج 1، ص 481.

[3] -المبرد،المقتضب، ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة 1|8.

[4] - مفهوم الجملة عند سيبويه، حسن عبد الغني الأسدي،دار الكتب العلمية،بيروت ،لبنان ت 2007م-1428ه ،ط1 /ص25

[5] - ابن جني،هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ) الخصائص ،الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة: الرابعة

ج1/33

[6] -ينظرالمقتصد في شرح الايضاح، عبد القاهر الجرجاني،تحقيق كاظم بحر المرجان 1|68

[7] - شرح على متن ملحة الاعراب، الحريري، ص 3.

[8] -المفصل في علم العربية، الزمخشري، ص 6

[9] -المرتجل، ابن الخشاب، تحقيق علي حيدر، ص 28 و 340.

[10] -مسائل خلافية في النحو، أبو البقاء العكبري، تحقيق محمد خير الحلواني، ص 31.

-[11]-شرح المفصل، ابن يعيش، 1|21.

[12] - تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، ابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، ص 3.

[13] - أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك، ابن هشام، تحقيق محيي الدين عبد الحميد 1|12.

[14] - الكتاب،سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون ، 1 / 12

[15] -الأصول في النحو ، ابن السراج ، تحقيق عبد الحسين الفتلي ، 1 / 41

[16] - المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله المحقق: علي بو ملحم، مكتبة الهلال - بيروت ،ط1، 1993/ج1/ص317

[17] - المصدر نفسه /ج1/ص317

[18] - المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله ج1/ص321

[19] -الضحى/5

[20] - ابن يَعِيش (553 - 643 هـ = 1161 - 1245 م) من كبار العلماء بالعربية. موصلي الأصل. مولده ووفاته في حلب. رحل إلى بغداد ودمشق، وتصدر للإقراء بحلب إلى أن توفي. كان ظريفا محاضرا، من كتبه «شرح المفصل - ط» و «شرح التصريف الملوكي .

[21] - شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (المتوفى: 643هـ) قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001م ص95

[22] - المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله ج1/339

[23] - البقرة3-4