حاول هذا الكائن في لحظات عدّة من تواجده البحث عمّا يميّزه عن غيره من المخلوقات المجاورة له. ولعلّ أهمّ ميزة تفطّن لها في هذا الخصوص هي صفة "الاجتماعي (المدني) والثقافي" التي تجعله أعلى وأرقى من غيره، فالإنسان يعيش بثقافة ويتطوّر بها. لكن السؤال المطروح: هل للإنسان ثقافة واحدة أم أنّه يعيش ضمن وبثقافات متعدّدة؟؟ من هنا جاءت التساؤلات والاستفهامات المركزية حول مسألة الثقافة، وما يميّز كلّ مجتمع عن غيره. ومن هذا المنطلق دعا تايلور إلى ضرورة إيجاد "علم" يقوم بمهمّة دراسة ثقافة الإنسان في منظورها العام، إنّما أيضاً ما يخصّ ثقافة كلّ مجتمع على حدى. وإذا علمنا أنّ موضوع "الثقافة" محلّ دراسة من قبل عديد العلوم الاجتماعية والإنسانية، فما الذي سيميّز هذا العلم الجديد عن غيره؟؟؟ تأسست "الأنثروبولوجيا" بفروعها المختلفة استجابة لهذه الرغبة وردًّا على هذا الانشغال، فالأنثروبولوجية علم جديد قديم في الآن ذاته، قديم في موضوعه، وجديد في طرحه ومنهجية بحثه (مناهجه)... فما هو موضوع الانثروبولوجيا؟ وما مناهجها؟ وما اتجاهاتها وإسهاماتها؟؟؟ هذا ما تحاول أن تتناوله المحاضرات التالية. والتي تتضمن ثلاثة محاور أساسية، المحور الأول يخصّ تعريف الأنثروبولوجيا وأبعادها الأساسية خاصة فيما يتعّلق بفروعها، والمحور الثاني يمسّ تاريخ تشكّل الأنثروبولوجيا وتطوّرها عبر العصور، ويعالج المحور الثالث اتجاهاتها الأساسية أو النظريات الكلاسيكية الكبرى القائمة عليها