نظرًا للتطور العلمي، والنهضة الصناعية والإقتصادية التي عرفها العالم، خاصة أوروبا الغربية، إذ عرفت تنمية إقتصادية، هاته التنمية ركزت كأساس لها على الصناعة أي على عملية التصنيع، هذا ما أصبح يؤثر على البيئة نتيجة لمخلفات هاته المصانع، فأصبحت الدول المتقدمة تولي أهمية كبيرة لهاته البيئة من  المخلفات. أما بالنسبة للدول المتخلفة وفي القرن الماضي أي القرن 20، وبعد حصول معظمها على الإستقلال قامت هي الأخرى بإعتماد خطط وبرامج من أجل تنمية إقتصادياتها المنهارة راجيةً التقدم إقتصادياً، فإنتهجت سياسة عاجلة من أجل تحقيق التنمية على حساب البيئة، هذا ما إنعكس سلبًا على صحة المواطن، وعلى مستقبل الموارد الطبيعية والزراعية، ومن ثم على حقوق الأجيال المستقبلية.

ومن أجل هاته المخاطر التي أصبحت تتعرض لها البيئة، اصبحت هاته الأخيرة موضع إهتمام سواءٌ في الدول المتقدمة، أو الدول المتخلفة، فأصبحت حماية البيئة شرطًا لتحقيق التنمية المستدامة التي تراعي رفاهية كل الأجيال الحالية والمستقبلية، على حدٍ سواء، كما اصبحت من المشاريع المهمة لدى جُل دول المجتمع الدولي، إذ إنعقدت من أجلها، العديد من المؤتمرات الدولية، فمن مؤتمر ستوكهولم بالسويد سنة 1972، إلى المؤتمر الإستثنائي لمجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة بنيروبي سنة 1982، ثم إلى أهم مؤتمر والذي سمي بقمة الأرض لسنة 1992 بمدينة ريودي جانيرو البرازيلية، وبعدها توالتالإهتمامات الجدّية بموضوع البيئة، بين مؤتمرات ومفوضات، وأصبحت كلها تبحث في حماية البيئة مع تحقيق التنمية المستدامة حيث صار المجتمع الدولي، من خلال هاته المؤتمرات ينظر للبيئة ليس كضرورة لصحة الإنسان بل أيضًا لتحقيق التنمية الإقتصادية.

وفي الجزائر تطور الإهتمام  بالبيئة، إذ كانت الجزائر في البداية، أي بعد استقلالها، وفي السنوات العشرة الأوائل، تعتبر من الدول النامية، وكانت هاته الدول لديها تخوف من الإنضمام لهاته المؤتمرات، وإعتبرتها تجسيدًا للإمبريالية، إذ كان هذا موقف الجزائر خلال مؤتمر ستوكهولم، ومؤتمر عدم الإنحياز لسنة 1973، وبقي الأمر على حاله لغاية 1983 أي السنة التي صدر خلالها قانون البيئة، أو بالأحرى قانون متعلق بحماية البيئة، هذا القانون يثبت أن الجزائر كانت سباقة في تناول موضوع التنمية في إطار البيئة، وبعدها شاركت الجزائر في مؤتمر ريو سنة 1992، ومؤتمر جوهانسبورغ سنة 2002، وتأثرت بهذا الأخير، وأصدرت قانون البيئة والتنمية المستدامة رقم 03/10 المؤرخ في 19 يوليو 2003، وبعدها شاركت في مؤتمر ريو +20 سنة 2012.

أما عن تدريس مقياس قانون البيئة، والتنمية المستدامة فكانت البوادر الأولى بطبيعة الحال، في الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا، خلال سنوات السبعينات.

أما في الجزائر فالإنطلاقة الأولى لتدريس مقياس قانون البيئة ضمن الدراسات القانونية، كان على مستوى قسم الماجستير كلاسيكي، أي النظام الكلاسيكي، وفي بعض التخصصات كالقانون الدولي، وبعدها صارت كليات الحقوق تدرس قانون البيئة، كتخصص علمي لنيل شهادة الماستر، وشهادة الدكتوراه.

أما فيما يخص مقياس قانون البيئة والتنمية المستدامة موضوع مطبوعتنا، يتناول مضمونه دراسة تفصيلية لمختلف الجوانب القانونية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة، وذلك في بعدها الدولي والوطني من خلال الإجابة على الإشكالية التالية: ما هو النظام القانوني المتبع دوليًا ووطنيًا من أجل تحقيق حماية قانونية فعالة للبيئة في إطار التنمية المستدامة؟.

إذ تهدف الإجابة عن هاته الإشكالية توضيح طبيعة العلاقة التي تربط كل من موضوع البيئة والتنمية المستدامة من الناحية القانونية، ومسألة التوفيق بينهما.

أما عن أهمية هذا المقياس فإنها تكمن في كونه يعد أحد المقاييس المستجدة في الدراسات القانونية المعاصرة، جاء كنتاج للتطور الصناعي والتكنولوجي، فيعد مقياسًا جديدًا، يعالج مواضيع معاصرة في ظل إهتمام دول العالم بالبيئة، ويتعلق بالتعريف بتلك الجهود الدولية والوطنية التي بذلت من أجل إحاطة البيئة بحماية قانونية من مختلف المشكلات البيئية الناجمة عن التنمية وذلك لمنع إستنزاف مواردها، ومراعاة لحاجات الأجيال الحاضرة والمستقبلية، لأجل هذا فإن أي دارس للقانون من اللازم أن يثري معارفه ورصيده وتفكيره القانوني بدراسة هذا المقياس، وذلك من أجل تحقيق الأهداف التالية:

-    تلقين طالب الحقوق مختلف النصوص القانونية الدولية والوطنية التي تتناول حماية البيئة.

-    التوضيح للطالب مخاطر التنمية على البيئة وكيفية مواجهة مشكل التلوث البيئي من الناحية القانونية.

-    تشجيع الطالب على الإهتمام بدراسة هذا المقياس وحثه على القيام ببحوث علمية قصد إفادة المجتمع فضلاً، عن توسيع معارفه في هذا المجال الواسع.

-    تبيان مدى فعالية القواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة.