المحاضرة الثانية : تأثيرالقلب والحذف  في الميزان الصرفي.

          مقدمة:الافعال تتعرض للقلب لضرورة تواصلية من أجل التخفيف أو تفادي الثقل وتوالي الحركات و هو أن يقلب الواو أو الياء أو الألف إلى بعضها،وقد ذكر الميداني أن:" القلب فهو أن يقلب الواو و الياء ألفا أو تقلب الألف واوا أو ياء أو تقلب الواو ياء و الياء واوا."([1]).

- قاعدة القلب :

وهو حلول حرف مكان آخر – ويسمى بالقلب المكاني[2] ومعرفته تتم بالرجوع إلى المشتقات ، والمصادر  ومقتضى قواعد الإعلال.

مثاله من المشتقات : كلمتا جَاه وحَادِي وهما اسمان

فـ جَاه مشتقة من وَجْه وهذا دليل القلب ووزن وَجْه : فَـعْل بفتح الفاء وسكون العين، فيكون وزن جَاه : عَـفْل لأنها مقلوبة من وجه.

وأما : حَادِي فمشتق من وَاحِد وهذا دليل القلب ووزن وَاحِد :فَاعِل  فيكون وزن حَادِي : عَالِف.

مثاله من المصادر : كَلِمَتَا نَاءَ[3] و أَيِسَ وهما فعلان .

فأما : نَاءَ فمصدره نَأْي وهذا دليل القلب ونَأْي على وزن : فَـعْل بفتح الفاء وسكون العين فيكون وزن نَاءَ : فَـلَع.

وأما : أَيِسَ فإن مصدره يَأْس : على وزن فَـعْل بفتح الفاء وسكون العين فيكون وزن أَيِسَ : عَـفِل.

تنبيـــه : ينبغي في باب القلب المكاني على طالب الصرف أن يتفطن إلى كيفية أخذ المصادر والمشتقات وحتى لا يقع في الخطأ ينبغي أن ينتبه إلى أن الأفعال المقلوبة تؤخذ من مصادرها الاسمية والأسماء المقلوبة تؤخذ من مشتقاتها الاسمية المفردة ، وذلك حسماً لهذا الباب.

مثال القلب بمقتضى قواعد الإعلال : كلمتا لَـبَّى  ، وطائِيّ .

فـ لَبَّى أصلها : لَـبَّبَ على وزن : فَـعْلَلَ فاستثقلوا ثلاث باءَات،  فقلبوا إِحداهن ياءً لعلة الثقل فصار الفعل لـبَّى  ووزنه على الأصل.

وأما طائِيّ فأصلها طَيْئِي مثل طَيْئّي  فقلبوا الـياءَ الأُولـى أَلَفاً وحذفوا الثانـية وذلك لدفع كراهية الكسرات والياءات ، وأَبْدلوا الأَلف من الـياءِ فـيه.

يقول الصرفيون إن هناك طرائق يمكننا اتباعها لمعرفة القلب المكاني ،وهذه الطرائق هي:

1-    الرجوع الى المصدر.

2- الرجوع الى الكلمات التي اشتقت من مادة الكلمة نفسها.

3-أن يكون في الكلمة حرف علة يستحق الإعلال تبعاً للقواعد التي سنعرفها ، ومع ذلك يبقى هذا الحرف صحيحاً اي دون إعلال ، فيكون ذلك دليلاً على حدوث قلب في الكلمة . فمثلاً الفعل : أيِسَ ، فيه حرف علة هو الياء ، وهو متحرك بكسرة وقبله فتحة ، وحرف العلة اذا تحرك وانفتح ما قبله قلب ألفاً ؛ وعلى ذلك كان ينبغي أن يكون الفعل هكذا : آس .

اما وقد بقي على : أيِس ، فهذا دليل على أن هذه الياء ليست في مكانها.

هنا وإنما في مكان آخر ، فإذا عدنا الى المصدر وهو : اليأس ، عرفنا أن هذا الفعل مقلوب عن يَئِسَ .

وإذن فوزن أيس هو عَفِلَ .

4 – أن يترتب على عدم القلب وجود همزتين في الطرف ، وهذا يحتاج الى بيان .

أنت تعلم ان الفعل الأجوف ، أي الذي عينه حرف علة ، تقلب عينه همزة في اسم الفاعل ، اي يقلب حرف العلة همزة تبعاً لقواعد الإعلال .

فنقول :

قال = قائل على وزن فاعل .

باع = بائع. على وزن فاعل .

سار = سائر على وزن فاعل .  .

 أما اِسم الفاعل من الفعل (جاء) فهو: جَاءٍ(على وزن فالٍ).

وهنا ينبغي أن نذكر المراحل التي مرت عليها بنية الكلمة إلى أن وصلنا إلى الصورة النهائية.

من المعلوم أن الفعل جاء أصله (جَيَأَ)،اسثقلوا الياء المتحركة وما قبلها مفتوح فقلبت ألفا لأن ما قبلها مفتوح فصارت (جاء). وللوصول إلى اسم الفاعل منه ينبغي أن نعود إلى الصورة الأ ولى:جيأ، فنأخذ منه على وزن فاعل(جايئٌ) على وزن (فاعل).فتحركت الياء بالكسرمما جعل النطق ثقيلا فنقوم بإبدال مكاني بين عين الكلمة ولامها(الياء والهمزة)،فتصير الكلمة على الصورة التالية:جائي وزنها (فالع). ومنه يصير الاسم اسما منقوصا نكرة ينبغي حذف يائه لإلتقاء الساكنين،فتصير:جاءٍ على وزن فالٍ.

ملاحظة:كلمة جائيٌ:اسم منقوص في نطقه نسمع هكذا:جَائيْ+نْ(التقى ساكنان)،فنحذف الياء فتصير الكلمة بهذه الصورة:جائنْ وهذه كتابة عروضية فنعوض النون الساكنة بكسرتين دالتين على التنوين(جاءٍ) على وزن( فالٍ).

1-      الحذف: هو إسقاط حرف من الحروف الأصلية للكلمة.   

-      قاعدة الحذف :وهي حذف بعض حروف الميزان لوجود ما يقابلها في الكلمة من الحذف نحو الجدول التالي:

الكلمة

الميزان

المحذوف

سِـرْ

فِــلْ

الألف لأن الماضي منه : سَارَ

قُــــلْ

فُــلْ

الألف لأن الماضي منه : قَالَ

قِ

عِ     

الواو والألف لأن الماضي منه : وَقَى

رَ

فَ

الهمزة والألف لأن الماضي منه : رَأَى

* ومفهوم الإعلال هو: " تغيير حرف العلّة للتخفيف ويجمعه القلب والحذف والإسكان، وحروفه الألف والواو والياء ،لا يكون الألف أصلا في متمكن ولا في فعل، ولكن عن واو أو ياء.".([4]) 

الإعلال بالحذف

ينقسم الإعلال بالحذف إلى قسين :

أ – حذف قياسي : وهو ما كان لعلة تصريفية غير التخفيف ، كالتقاء الساكنين ، والاستثقال .مثل:أمرقال:قوْلْ(التقى الساكنان)،فنقول:قلْ(على وزن فلْ).

ب – حذف غير قياسي : هو ما كان لغير علة تصريفية ، ويعرف بالحذف الاعتباطي  مثل حذف الياء من كلمة : يد ، ودم ، فأصلهما : يَدَيٌ ، ودَمَيٌ

ومثل : حذف الواو من كلمة : اسم ، وابن ، وشفه ، فأصلها : سِمْوٌ ، وبنوٌ ، وشَفَوٌ ، وغير ما سبق مما يقع فيه الحذف على غير القياس .

أما الحذف القياسي فيكون في المواضع التالية :

1 ـ إذا كان الفعل ثلاثياً معتل الأول ويكون حرف العلة واواً ، وعينه مفتوحة في الماضي مكسورة في المضارع ، تحذف الواو في المضارع والأمر ، والمصدر إذا كان على وزن فِعلة لغير الهيئة ، بشرط أن يعوض بتاء في آخره .

مثل : وَجَدَ : يَجِدُ ، وأصله : يَوْجِدُ . حذفت الواو في المضارع .وفي هذه الحالة يكون الحذف واجبا لوقوع الواوساكنة بين فتحة وكسرة فتكون ثقيلة:يَوْجِدُ(يَجِدُ).فالعملية الصوتية تفرض الحذف في هذه الحالة من أجل التسهيل وسهولة النطق.

ومثل : وَجَدَ : جِد ، وأصله : اوْجِد ، فحذفت همزة الوصل التي جيء بها لوجود الساكن في أول الكلمة ، ثم حذفت واو الفعل فصار الفعل : جِد .

ومثله : وعد ، المصدر منه : عِدة ، وأصله : وعْدٌ ، فحذفت الواو وعوض عنها بتاء في آخره فصار : عِدَة .

* فإذا كان الفعل معتل الأول بالياء فلا إعلال مثل : ينع ومضارعه : يينع . أو إذا كانت ياء مضارعه مضمومة مثل : أوجد : يُوْجدُ(سبقت بضم وما بعدها مكسور).وإذا كان الفعل مبنيا للمجهول من الفعل وجد،فنقول: (يُوْجَدُ) فلا إعلال لأنها سهلة في النطق ولا يوجد ثقل.

مثل : قال : مقول ، وأصله : مقْْوُول ، فنقلت حركة الضمة من الواو إلى القاف ، فيصير : مَقـُوول ، فاجتمع واوان ساكنان ، فتحذف الثانية لتطرفها ،ولأنها واو مفعول ، فيصير : مَقُول (مفـُعْل).

ومثله : باع : مَبِيع ، وأصله : مَبْيُوع ، فنقلت حركة الضمة من الياء إلى الباء ، فتصير : (مَبُيْوْع )، فاجتمع ساكنان الياء والواو ، فتحذف الواو لأنها واو مفعول ، وتقلب ضمة الباء كسرة لتناسب الياء فتصير : مَبِيع(مَفِعْل).

* كما يحذف وسطه مع الفعل المضارع المجزوم أو الأمر والمنسد إلى ضمير رفع متحرك .

مثل : قال : لم يقلْ وقُلْ ، باع : لم يبعْ وبِعْ ، حذفت عينه .

 وفي الماضي :مثل : قال : قلت(فلت) ، قلنا(فلنا) ، قلن(فلن) . باع : بعت (فلت)، بعنا(فلنا) .



[1] - نزهة الطرف في فن الصرف ، أحمد بن محمد الميداني ، قسطنطينية ،ط1 ، (1299م) الباب الثامن ، ص 31

[2] اعتبار القلب باعتبار الاسم أولى من اعتباره بدليل الفعل وذلك أن مصادر المفردات العربية تعود إلى الاسم لأنه الأصل في النشأة وهذا ما ذهب إليه البصريون خلافاً لأهل الكوفة ولذا فقولنا أيس مقلوب من مصدره اليأس أولى من قول بعضهم : من الفعل يئس .

[3]   نَاءَ بالحِمل نهض به مُثقلا وبابه قال ونَاءَ به الحِمل أَثقله ومنه قوله تعالى لَتَنُوءُ بالعُصبةِ أي لَتُنِيءُ العُصبة بثِقلها  . انظر مختار الصحاح 1/ 284

[4] - الشافية ، جمال الدين أبو عمرو عثمان الدويني ، تحقيق ، حسن أحمد العثمان ، المكتبة المكية، مكة المكرمة- السعودية- (ط11995، ج1/94.