إن مفهوم الأسرة يقوم أساسا على تلك العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة على الوجه الشرعي لكل منهما حقوق وواجبات، وظيفتها الأساسية إحصان الزوجين وإنجاب الأطفال حفاظا على الأنساب، وتنشئتهم النشأة الحسنة في جو من المودة و التعاون، وهو مفهوم تبنته مختلف الديانات وتعارفت عليه المجتمعات منذ القدم، غير أن هذا المفهوم بدأ تدريجيا يتغير  ويتحول مع نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرون، في إطار ما يسمى بالمد المتواصل لأحكام القانون الدولي من مواثيق واتفاقيات مختلفة، بحيث توسَع مفهوم الأسرة ودورها من منظور المجتمع الدولي، مواكبة للتطورات التي شهدها العالم الحديث والذي أصبح  يعرف بالنظام العالمي الجديد، غير أن العديد من الدول خاصة العربية والإسلامية منها، لم تتقبل هذا المفهوم الدخيل على الأسرة الأصيلة، لأنه يشكل في نظرهم متغيرا جديد يهدد الثوابت التي تقوم عليها الأسرة في تلك المجتمعات والمستمدة من ديانتها وتقاليدها المحافظة.

كما أن للأسرة دور كبير، بل هو الدور الرئيس في تربية النشء والاجيال، والحفاظ على هوية المجتمع وتماسكه، ومع ذلك لم تعطها الوثائق الدولية الاهتمام اللائق، بها بل إن كثيرًا من الوثائق المعنية بالمرأة خلت بنودها تمامًا من أية إشارة للأسرة بمفهومها الطبيعي والفطري، وإنما تناولت المرأة كفرد مقتطع من سياقه الاجتماعي، واللافت أن الوثائق التي ذكرت فيها الأسرة جاء ذكرها نادرًا وهامشيًّا وفي سياقات تؤدي من خلال التطبيق إلى إضعاف الأسرة وهدمها والمساس بمبادئها وقيمها المثلى والاساسية، كأن ترد ضمن سياق المطالبة بتقليل النسل، أو ضمن سياق تقييد صلاحية الآباء في توجيه وتربية الأبناء فيما أطلقت عليه الوثائق: "العنف في نطاق الأسرة"، أو أن يأتي المفهوم في سياق في منتهى الخطورة وهو ضرورة الاعتراف بوجود أشكال أخرى للأسرة، وهو ما يعني الاعتراف بالشذوذ وتقنينه وإعطاء الشواذ نفس الحقوق التي يتمتع بها الأسوياء من ضمانات اجتماعية والحق في الزواج، والتوارث والحصول على كافة الخدمات الاجتماعية، ودفع الضرائب... إلخ.

هذا ويتوجب الإشارة إلى إن مفهوم نظام وتركيبة وطبيعة الأسرة يختلف بين دول العالم الإسلامي والدول الغربية التي تسالمت على مفهوم شاذ للأسرة يسمى بـالأنماط الأسرية المتعددة أو المختلفة أي هو الاعتراف أن الأسرة لا يشترط تكونها من ذكر وأنثى يرتبطان برابطة مشروعة بل قد تتكون من ذكور فقط أو إناث فقط أضف إلى ذلك العلاقة بين الرجل والأنثى خارج رابطة الزواج وهذا الأمر أنتج تحديات عدة تتعلق بالإنجاب والنسب والإرث وغيرها ممن لا يسوغها المشرع الإسلامي إلا إن كانت ناتجة عن علاقة شرعية، والمؤسف أن الكثير من الدول الأوربية والغربية وحتى بعض الآراء والتوجهات العربية أجازت هذه الأنماط الشاذة المنافية للفطرة الإنسانية السليمة والشرائع السماوية جميعاً.

ويعد قانون الأسرة من المستجدات التي عرفتها الأسرة الجزائرية والتشريع الجزائري، فقبل صدور قانون الأسرة الجزائري كانت الأسرة الجزائرية خاضعة لأحكام وقواعد الفقه الإسلامي والأعراف والتقاليد المحلية، فبصدور قانون الأسرة 9/6/1984 الذي يعد مكتسبا قانونيا استطاع إلى حد كبير أن يحقق الاستقرار القانوني في مجال المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، إذ يحدد العلاقات القانونية بين الزوجين من جهة وبينهما وبين أقاربهما وأولادهما من جهة أخرى.

ويفترض في المشرع الجزائري أن يعتمد في صياغته لتشريع أحكام قانون الأسرة على المرجعية الإسلامية بكل مصادرها الأصلية والتباعية، وهذا لأن معظم الأحكام المتعلقة بالأسرة قطعية الدلالة أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية من خطبة وزواج وصداق وولي ومحرمات من النساء ونسب وتبني. كما برزت من جهة أخرى قواعد اتفاقيات حقوق الإنسان الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان وحرياته وهذا من خلال فرض جملة من الالتزامات القانونية على السلطات العامة الداخلية في مختلف الدول بما فيها الجزائر حيث صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية وتنفيذا لالتزامها هذا وحرصا منها على النهوض بأوضاعى المرأة والطفل كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل مع التشريعات الداخلية إذ أصبح واجبا على المشرع الجزائري أن يلاءم تشريعه الأسري مع هذه الاتفاقيات.

ذلك أن تأثير الاتفاقيات الدولية على التشريع الأسري موضوع يحظى بأهمية قصوى فالاتفاقيات الدولية تحمي قواعد تهم المجتمع الدولي لهذا يجب تطبيقها في الأنظمة الداخلية للدول باعتبار الدولة تتحمل مسؤولية الإشراف على تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان التطبيق الأمثل.

ويقتضي الالتزام بتطبيقها من قبل الدولة اتخاذ جملة من الإجراءات القانونية حيث تختلف هذه الأخيرة من دولة إلى أخرى وهذا راجع إلى هامش الحرية الوارد في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات من حيث إجراءات التصديق والتحفظ وتعليق التطبيق.

وبناء على ذلك فإن دراسة موضوع مدى تأثير تطبيق الاتفاقيات الدولية على قانون الأسرة من أهم المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان والتي يتوجب متابعتها على الصعيد النظري والعملي خاصة وأن تطبيق الاتفاقيات الدولية على مستوى الأنظمة الداخلية من مواضيع السياسة الدولية التي تخضع لمقتضيات القوة حيث تكون أداة للحكم على مدى مشروعية النظام في الدولة.

الفصل الأول: إضاءات مفاهيمية حول نظام الأسرة

الفصل الثاني: تنظيم الاسرة من منظور القانون الدولي

الفصل الثالث: العلاقة بين القانون الدولي والقانون الوطني