وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

جامعة الجيلالي بونعامة، خميس مليانة

كلية الحقوق والعلوم السياسية

 

محاضرات عبر الخط مقياس القانون الدولي العام

السنة الثانية ليسانس  (السداسي الأول)

 

د/ الطاهـــــــــــــــــــــــــــــر ياكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

 

 

 

 


ملخض

لقد حاول الإنسان منذ بداية الخليقة أن يقترب من أخيه الإنسان ومن ثم يوسع من دائرة الاقتراب تلك، حتى تشابكت العلاقات وتنوعت لتشمل كافة مجالات الحياة، وقد اتسمت في بعض الأوقات بالسلمية وفي بعضها الآخر بالتوتر الذي أدى في الكثير من الأحيان إلى نشوب الحروب والنزاعات التي من جرائها خسرت البشرية الملايين من أبنائها، لكن الإنسان سعى كفرد وكجماعات ـ ومنها الدول- لإقامة أفضل العلاقات مع الغير، حيث أن التقدم الذي حصل تدريجياً منذ البدايات، وتسارعه في القرنين الماضيين خاصة، جعل علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقات المجتمعات والدول فيما بينها من أقصى مشارق الأرض إلى مغاربه تزداد تعقيدا، وتأخذ طابعا يوميا مع أنهم جميعاً يعيشون في بقعة صغيرة من الأرض – ومع تلاشي الأبعاد والمسافات بين البلدان أدت الى تشابك المصالح والاشتراك العالمي في الحضارة والثقافة وامتزاجها، كما أن التقدم الصناعي والتقني والاكتشافات العلمية والتقنية الحديثة في الاتصالات والقدرة السريعة على البيع والشراء من خلال وسائل الاتصالات الالكترونية والوسائط الاجتماعية المتنوعة، جعل التوجه نحو الإستقرار في العلاقات الدولية والتعاون والهدوء في الأنظمة السياسية أكثر إهتماما، ولم يعد الهدوء الداخلي وحده في دولة بعينه كافيا لتحسين العلاقات فيما بين الدول، فما يحدث في دولة ما من اضطرابات ومنازعات داخلية قد يهدد السلم والأمن في دول أخرى، لذلك كان لا بد للقانون الذي ينظم العلاقات فيما بين الدول من أن يتطور وينظم تلك العلاقات طرداً مع ما يتناسب من التطور والتقدم الحاصل في المجتمع البشري على العموم.

وإن التطور الذي حصل في المجتمع البشري، والذي كان من نتائجه نشوء الدول كارقى شكل من أشكال التنظيم السياسي والقانوني في المجتمعات. والدولة - بين جماعة الدول- كالفرد بين باقي أبناء جنسه.

هذا وقد تشعبت العلاقات الدولية ونمت نموا كبيرا خلال القرن العشرين، و خاصة في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بحيث لم تعد أكثر الدول ميلا إلى العزلة واجتناب التواصل الدولي قادرة على أن تظل بمنأى عن المد الهائل للعلاقات الدولية في شتى المجالات، و كان للتقدم العلمي و الفني الهائل- و ما نجم عنه من ثورة حقيقية في وسائل النقل و أدوات الاتصال دوره الحاسم في هذا النمو الكبير للعلاقات الدولية على النحو الذي جعل من العالم وحده متصلة الأجزاء متشابكة للأطراف، بعد أن كان لأحقاب طويلة مقطع الأوصال بسبب صعوبات الانتقال و سوء الفهم الذي ينجم عن صعوبة الاتصال بين الجماعات المختلفة في الغالب الأعم من الحالات و تحصن الدول وراء حدودها الإقليمية أو خلف شعارات العزلة للتقليل على قدر المستطاع من وقائع العلاقات الدولية.

و قد فرض هذا النمو الكبير للعلاقات الدولية على القانون الدولي المعاصر أوضاعا جديدة أدت إلى إزدهاره و تطوره و دفعت به إلى مجالات جديدة تمام، و انتقلت به من قانون يهتم أساسا بالدول أو بجماعة الدول و تدور قواعده وجودا أو عدما معها، إلى قانون للمجتمع الدولي يعمل من خلال محاور متعددة على تنظيمه وحكم الروابط التي تنشأ في إطاره، و هو ما أدى في حقيقة الأمر إلى نمو ذلك القانون نموا كبيرا، بحيث بات يقف اليوم في مواجهة القانون الداخلي بفروعه المختلفة يتفرع بدوره و تتوزع قواعده بين فروع عددية، كما هو الشأن بالنسبة للقانون الداخلي سواء بسواء.